تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا} (88)

86

المفردات :

ظهيرا : أي معينا في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله .

التفسير :

88- { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } .

أي : قل لهم متحديا : والله لئن اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله بلاغة ، وإحاطة وحسن معنى وتصرفا ، وأحكاما ومنهجا كاملا ونحو ذلك ، لا يأتون بمثله ولو تعاونوا وتظاهروا فإن هذا غير ميسور لهم .

فهذا القرآن ليس ألفاظا وعبارات ، يحاول الإنس والجن أن يحاكوها ، إنما هو كسائر ما يبدعه الله يعجز المخلوقون أن يصنعوه .

هو كالروح من أمر الله لا يدرك الخلق سره الشامل الكامل ، وإن أدركوا بعض أوصافه وخصائصه وآثاره .

والقرآن بعد ذلك منهج حياة كامل ، منهج ملحوظ فيه نواميس الفطرة التي تعرف النفس البشرية ، في كل أطوارها وأحوالها ، والتي تعرف الجماعات الإنسانية في كل ظروفها وأطوارها ؛ ومن ثم فهو يعالج النفس المفردة ، ويعالج الجماعة المتشابكة ، بالقوانين الملائمة للفطرة ، المتغلغة في وشائجها ، ودروبها ومنحنياتها الكثيرة ، يعالجها علاجا متكاملا متناسق الخطوات في كل جانب ، في الوقت الواحد ، فلا يغيب عن حسابه احتمال من الاحتمالات الكثيرة ولا ملابسة من الملابسات المتعارضة ، في حياة الفرد وحياة الجماعة ؛ لأن مشرّع هذه القوانين هو العليم بالفطرة في كل أحوالها وملابساتها المتشابكة .

أما النظم البشرية فهي متأثرة بقصور الإنسان ملابسات حياته ، ومن تم فهي تقصر عن الإحاطة بجميع الاحتمالات ، في الوقت الواحد ، وقد تعالج ظاهرة فردية أو اجتماعية بدواء يؤدي بدوره إلى بروز ظاهرة أخرى تحتاج إلى علاج جديد .

إن إعجاز القرآن أبعد مدى من إعجاز نظمه ومعانيه ، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله هو عجز كذلك عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به{[488]} .


[488]:- في ظلال القرآن بقلم سيد قطب 15/66، 67.