تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّوۡ كَانَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰٓئِكَةٞ يَمۡشُونَ مُطۡمَئِنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكٗا رَّسُولٗا} (95)

الآية 95 : فقال : { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } أي مقيمين ساكنين فيها { لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا } ثم اختلف فيه ( بوجوه :

أحدهما ){[11238]} : { لو كان في الأرض ملائكة } أي لو كان سكان الأرض ملائكة ، فبعث إليهم رسولا منهم ، أكان لهم أن يقولوا : أبعث الله ملكا رسولا ؟ أي أبعث الله إلينا ( رسولا ){[11239]} من جوهرنا ؟ أي ليس لهم أن يقولوا ذلك .

فعلى ذلك إذا كان سكانها البشر ؛ ليس لهم أن يقولوا : أبعث الله إلينا من جوهرنا رسولا ؟

والثاني : لو كانت الأرض مكان الملائكة ، وهم سكانها لكان لهم{[11240]} أن يقولوا { أبعث الله بشرا رسولا } من غير جوهرنا . فأما إذا كانت الأرض مكان البشر ، وهم سكانها ، فليس لهم أن يُنْكِرُوا بَعْثَ الرسول منهم ومن جوهرهم ، لأنهم لا يعرفون الملائكة ولا من كان من غير جوهرهم ، ويعرفون من كان من جوهرهم .

فَبَعْثُ الرسول من جوهرهم أولى لهم من غير جوهرهم .

والثالث{[11241]} : لو كان في الأرض ملائكة وبشر ، فعرفوا الملائكة ، لكان لهم أن يسألوا رسولا من الملائكة لما عرفوه{[11242]} .

فأما إذا كان سكان الأرض ليسوا إلا بشرا ، فليس لهم أن يقولوا ذلك لأنهم لم يعرفوا قوى الملائكة ولا قوى الجن ، وقد عرفوا قوى البشر ، فيعرفون الآيات والحجج من التمويهات إذ عرفوا ( قواهم ، ولم يعرفوا ){[11243]} قوى الملائكة والجن ، فلا يعرفون ما أقاموا أنها آيات وحجج ، أو كان ذلك بقواهم ، ويعرفون ذلك من البشر إذا خرجت من احتمال وسعهم وقواهم .

وبعد فإنهم أقروا برسالة البشر ، لأنهم لا يعرفون الملائكة إلا بخبر من البشر ( بوجود الملك ){[11244]} فليس لهم أن ينكروا رسوله البشر .

وأصله ما قال : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } ( الأنعام : 9 ) لما ذكرنا أنهم لا يعرفون الملائكة ومن كان من غير جوهرهم ، فلا بد من أن يكون رجلا ، فكان في ذلك تلبيس عليهم على ما أخبر ، والله أعلم .


[11238]:في الأصل و.م:قال بعضهم.
[11239]:ساقطة من الأصل و.م.
[11240]:في الأصل و.م: لكم.
[11241]:في الأصل و.م: أو يقول.
[11242]:في الأصل و.م: أعرفوهم.
[11243]:من م، ساقطة من الأصل.
[11244]:في الأصل و.م : أنه ملك.