تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (62)

المفردات :

يخدعونك : يظهروا لك السلم ويبطنوا الغدر والخيانة .

حسبك الله : كافيك الله .

أيدك : قواك .

62 – { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ . . . }الآية .

أي : وإن يريدوا بالصلح خديعة ليتقوا ويستعدوا ، فالله يكفيك أمرهم ، وينصرك عليهم ، فهو كافيك وحده ، وعاصمك من مكرهم وخديعتهم ، ومن تولى الله كفايته وحفظه ؛ لا يضره شيء .

{ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } .

هو الذي أنزل عليك نصره في بدر بدون إعداد العدة الكافية ، وأيدك بالمؤمنين من الأنصار والمهاجرين ونفذ ما قضى وحققه .

والتأييد ليس إلا من الله لكنه على قسمين :

أحدهما : ما يحصل من غير واسطة أسباب معلومة معتادة . والثاني : ما يحصل بواسطة أسباب معلومة .

فالأول : هو المراد من قوله : { أيدك بنصره } .

والثاني : هو المراد من قوله : { وبالمؤمنين }lii .

وهذه الآيات دليل واضح على جنوح الإسلام إلى السلم ؛ ما دام فيه مصلحة الإسلام وأهله ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ؛ أجابهم إلى ذلك ، مع ما اشترطوا من شروط مجحفة في حق المسلمين .

هل هذه الآية منسوخة

زعم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة ؛ آية السيف في براءة : { قالوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر . ( التوبة : 29 ) .

وقد ذكر الإمام الزركشي في كتابه : " البرهان في علوم القرآن " نقلا عن الشاطبي في الموافقات :

أن هذا ليس نسخا ولكنه تدرج في التشريع ؛ فحينما كان المسلمون ضعافا ؛ أمروا بالجنوح إلى الصلح والسلام .

ولما كانوا أقوياء قادرين ؛ أمروا بالقتال وإخراج المشركين من جزيرة العرب .

وجاء في تفسير ابن كثير ما يأتي :

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة : إن هذه الآية منسوخة ، بآية السيف في براءة .

وفيه نظر أيضا ؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك .

فأما إذا كان العدو كثيفا ؛ فإنه يجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه الآية الكريمة : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها . . . } .

وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية . فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص .

وإذا تأملت الآية ، وجدتها تقرر مبدأ عاما في معاملة الأعداء ؛ هو أنه من الجائز مهادنتهم ومسالمتهم ؛ ما دام ذلك في مصلحة المسلمين .

فالحاكم المسلم له بصيرته وحسن تقديره للأمور ، وله مشورته للمسلمين ، واختيار الأصلح والأنسب ؛ فله أن يختار الحرب ، وله أن يختار المفاوضة والصلح ؛ والحكمة ضالة المؤمن ، والحكمة : هي حسن التأني للأمور ، ووضع الأمور في نصابها ، واختيار الأنسب والأوفق والأولى .

قال تعالى : { يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب } . ( البقرة : 269 ) .