إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (41)

{ وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به عليه السلام في ضمن الاستعجال وعِدةٌ ضمنيةٌ بأنه يصيبهم مثلُ ما أصاب المستهزئين بالرسل السالفةِ عليهم الصلاة والسلام ، وتصديرُها بالقسم لزيادة تحقيقِ مضمونها ، وتنوينُ الرسل للتفخيم والتكثير ومن متعلقةٌ بمحذوف هو صفة له ، أي وبالله لقد استُهزئ برسل أولي شأنٍ خطير وذوي عددٍ كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مُقامه .

{ فَحَاقَ } أي أحاط عَقيب ذلك أو نزل أو حل أو نحو ذلك ، فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يُستعمل إلا في الشر ، والحيقُ ما يشتمل على الإنسان من مكروهٍ فَعَله ، وقوله تعالى : { بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ } أي من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى : { مَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤن } للمسارعة إلى بيان لحوقِ الشرّ بهم ، وما إما موصولة مفيدةٌ للتهويل والضمير المجرورُ عائدٌ إليها والجار متعلق بالفعل وتقديمُه عليه لرعاية الفواصلِ ، أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزؤن به حيث أهلكوا لأجله ، وإما مصدريةٌ فالضمير المجرور راجعٌ حينئذ إلى جنس الرسول المدلولِ عليه بالجمع كما قالوا ، ولعل إيثارَه على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاءُ استهزائهم بكل واحدٍ واحدٌ منهم عليهم السلام لا جزاءُ استهزائهم بكلهم من حيث هو كلٌّ فقط ، أي فنزل بهم جزاءُ استهزائهم على وضع السبب موضعَ المسبب إيذاناً بكمال الملابسةِ بينهما أو عينُ استهزائهم إن أريد بذلك العذابُ الأخرويُّ بناء على تجسيم الأعمال الظاهرةِ في هذه النشأة بصور عرضية تبرُز في النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبةٍ لها في الحسن والقبح وعلى ذلك بني الوزن ، وقد مر تفصيلُه في سورة الأعراف في قوله تعالى : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ } الآية إلى آخرها .