إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ} (45)

{ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم } بعد ما بُيّن من جهته تعالى غايةُ هول ما يستعجله ونهايةُ سوءِ حالهم عند إتيانه ونُعيَ عليهم جهلُهم بذلك وإعراضُهم عن ذكر ربهم الذي يكلؤهم من طوارق الليل والنهار وغيرُ ذلك من مساوي أحوالهم ، أُمر عليه السلام بأن يقول لهم : إنما أنذركم ما تستعجلونه من الساعة { بالوحي } الصادق الناطقِ بإتيانها وفظاعةِ ما فيها من الأهوال ، أي إنما شأني أن أنذرَكم بالإخبار بذلك لا بالإتيان بها فإنه مزاحمٌ للحكمة التكوينية والتشريعية إذ الإيمانُ برهانيٌّ لا عياني ، وقوله تعالى : { وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء } إما من تتمة الكلامِ الملقّن تذييلٌ له بطريق الاعتراض ، قد أُمر عليه السلام بأن يقوله لهم توبيخاً وتقريعاً وتسجيلاً عليهم بكمال الجهلِ والعِناد ، واللامُ للجنس المنتظمِ للمخاطبين انتظاماً أولياً أو للعهد فوضعُ المظهر موضعَ المضمر للتسجيل عليهم بالتصامّ ، وتقييدُ نفي السماعِ بقوله تعالى : { إِذَا مَا يُنذَرُونَ } مع أن الصمَّ لا يسمعون الكلام إنذاراً كان أو تبشيراً لبيان كمال شدةِ الصّمَمِ ، كما أن إيثارَ الدعاء الذي هو عبارةٌ عن الصوت والنداءِ على الكلام لذلك فإن الإنذارَ عادة يكون بأصوات عاليةٍ مكررةٍ مقارِنةٍ لهيئات دالةٍ عليه ، فإذا لم يسمعوها يكون صَممُهم في غاية لا غايةَ وراءها ، وإما من جهته تعالى على طريقة قوله تعالى : { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ } ويؤيده القراءةُ على خطاب النبي عليه الصلاة والسلام من الإسماع بنصب الصمُّ والدعاءَ ، كأنه قيل : قل لهم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم ، وقرئ بالياء أيضاً على أن الفاعلَ هو عليه السلام ، وقرئ على البناء للمفعول أي لا يقدر أحدٌ على إسماع الصمِّ .