إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

{ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ } شروعٌ في بيانِ حالِ المُذبذبين إثرَ بيانِ حالِ المُجاهرين أي ومنهُم من يعبدُه سبحانه وتعالى على طَرَفٍ من الدِّين لا ثباتَ له فيه كالَّذي ينحرفُ إلى طَرَفِ الجيشِ فإنْ أحسَّ بظَفَرٍ قَرَّ وإلا فَرَّ { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ } أي دنيويٌّ من الصَّحَّةِ والسَّعةِ { اطمأن بِهِ } أي ثبتَ على ما كانَ عليهِ ظاهراً لا أنَّه اطمأنَّ به اطمئنانَ المُؤمنينَ الذينَ لا يلويهم عنه صارفٌ ولا يثنيهم عاطفٌ . { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي شيءٌ يُفتتنُ به من مكروهٍ يعتريهِ في نفسِه أو أهلِه أو مالِه . { انقلب على وَجْهِهِ } رُوي أنَّها نزلتْ في أعاريبَ قدمُوا المدينةَ وكانَ أحدُهم إذَا صحَّ بدنُه ونُتجتْ فرسُه مُهراً سَرِيًّا وولدتِ امرأتُه ولداً سَويًّا وكثُر مالُه وماشيتُه قال : ما أصبتُ منذُ دخلتُ في ديني هذا إلاَّ خَيْراً واطمأنَّ وإن كانَ الأمرُ بخلافِه قال : ما أصبتُ إلاَّ شرًّا وانقلبَ . وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه : أنَّ يهُوديًّا أسلمَ فأصابتْهُ مصائبُ فتشاءَم بالإسلامِ فأتَى النبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فقالَ : أقِلْني ، فقال عليه السَّلامُ : « إنَّ الإسلامَ لا يُقال » . فنزلت . وقيل : نزلتْ في المؤلَّفةِ قلوبُهم .

{ خَسِرَ الدنيا والآخرة } فقدَهُما وضيَّعهما بذهابِ عصمتِه وحبوطِ عملِه بالارتدادِ . وقُرئ خاسرَ بالنَّصبِ على الحالِ ، والرَّفعُ على الفاعليةِ . ووضعُ الظَّاهرِ موضعَ الضَّميرِ تنصيصاً على خُسرانِه أو على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ { ذلك } أي ما ذُكر من الخُسران وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ بكونه في غايةِ ما يكونُ { هُوَ الخسران المبين } الواضحُ كونُه خُسراناً إذ لا خُسرانَ مثله .