فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ} (52)

{ وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة } هذا من جملة ما خوطب به الأنبياء ، والمعنى : أن هذه ملتكم وشريعتكم أيها الرسل ملة واحدة ، وشريعة متحدة يجمعها أصل هو أعظم ما بعث الله به أنبياءه وأنزل فيه كتبه ، وهو دعاء جميع الأنبياء إلى عبادة الله وحده لا شريك له . وقيل : المعنى إن هذا الذي تقدّم ذكره هو دينكم وملتكم فالزموه على أن المراد بالأمة هنا : الدين ، كما في قوله : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا على أمة } [ الزخرف : 22 ] ، ومنه قول النابغة :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع

قرئ بكسر : «إن » على الاستئناف المقرّر لما تقدّمه ، وقرئ بفتحها وتشديدها . قال الخليل : هي في موضع نصب لما زال الخافض ، أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به . وقال الفرّاء : إن متعلقة بفعل مضمر ، وتقديره : واعلموا أن هذه أمتكم . وقال سيبويه : هي متعلقة ب{ اتقون } ، والتقدير : فاتقون لأن أمتكم أمة واحدة ، والفاء في : { فاتقون } لترتيب الأمر بالتقوى على ما قبله من كونه ربكم المختصّ بالربوبية ، أي لا تفعلوا ما يوجب العقوبة عليكم مني بأن تشركوا بي غيري ، أو تخالفوا ما أمرتكم به أو نهيتكم عنه .

/خ56