إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبٗا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخۡرَجُونَ} (67)

{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } بيانٌ لجهلِهم بالآخرةِ وعَمَهِهم منها بحكايةِ إنكارِهم للبعثِ ، ووضعُ الموصولِ موضَع ضميرِهم لذمِّهم بما في حيِّز صلته والإشعارِ بعلَّة حُكمهم الباطلِ في قولِهم { أَئذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئنَّا لَمُخْرَجُونَ } أي أنخرجُ من القبورِ إذا كنَّا تُراباً كما ينبئ عنه مخرجونَ ولا مساغَ لأنْ يكونَ هو العاملَ في إذا لاجتماعِ موانعَ لو تفرَّدَ واحدٌ منها لكَفَى في المنعِ ، وتقييدُ الإخراجِ بوقتِ كونِهم تُراباً ليس لتخصيصِ الإنكارِ بالإخراجِ حينئذٍ فقط فإنَّهم مُنكرون للإحياءِ بعدَ الموتِ مُطلقاً وإنْ كانَ البدنُ على حالِه بل لتقويةِ الإنكارِ بتوجيههِ إلى الإخراجِ في حالةٍ منافيةٍ له . وقولُه تعالَى وآباؤُنا عطفٌ على اسمِ كانَ ، وقامَ الفصلُ مع الخبرِ مقامَ الفصلِ بالتأكيدِ ، وتكريرُ الهمزةِ في أئنا للمبالغةِ والتَّشديدِ في الإنكارِ . وتحليةُ الجُملةِ بأنَّ واللامِ لتأكيدِ الإنكارِ لا لإنكار التّأكيدِ كما يُوهمه ظاهرُ النَّظمِ فإنَّ تقديمَ الهمزةِ لاقتضائِها الصدارةَ كَما في قولِه تعالى : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ سورة البقرة ، الآية :44 ، 76 ، وسورة آل عمران ، الآية65 ، وسورة الأنعام ، الآية32 ، وسورة الأعراف ، الآية169 ، وسورة يونس ، الآية16 ، وسورة هود ، الآية51 ، وسورة يوسف ، الآية109 ، وسورة الأنبياء ، الآيات10و67 ، وسورة المؤمنون ، الآية80 ، وسورة القصص ، الآية60 ، وسورة الصافات ، الآية138 ] ونظائِره عَلَى رَأي الجُمهورِ فإنَّ المَعْنى عندَهُم تعقيبُ الإنْكارِ لا إنكارُ التَّعقيبِ كما هو المشهورُ . وقرئ إذَا كنَّا بهمزةٍ واحدةٍ مكسورةٍ ، وقرئ إنَّا لمخرجُون على الخبرِ .