إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثۡمٗا مُّبِينًا} (50)

{ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } { كَيْفَ } نُصب إما تشبيهاً بالظرف أو بالحال على الخلاف المشهورِ بين سيبويه والأخفشِ ، والعاملُ يفترون وبه تتعلق { على } أي في أي حالٍ ، أو على أي حالٍ يفترون عليه تعالى الكَذِب ، والمرادُ بيان شناعةِ تلك الحالِ وكمالُ فظاعتِها ، والجملةُ في محل النصبِ بعد نزعِ الخافض والنظرُ متعلقٌ بهما ، وهو تعجيبٌ وتنبيهٌ على أن ما ارتكبوه متضمِّنٌ لأمرين عظيمين موجبين للتعجب : إدعاؤُهم الاتصافَ بما هم متّصفون بنقيضه ، وافتراؤُهم على الله سبحانه . فإن ادعاءهم الزكاةَ عنده تعالى متضمِّنٌ لادعائهم قبولَ الله وارتضاءَه إياهم ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، ولكون هذا أشنعَ من الأول جُرماً وأعظمَ قبحاً لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قَبول الكفرِ وارتضائِه لعباده ومغفرةِ كفرِ الكافرِ وسائرِ معاصيه ، وُجِّه النظرُ إلى كيفيته تشديداً للتشنيع وتأكيداً للتعجيب . والتصريحُ بالكذب مع أن الافتراءَ لا يكون إلا كذباً للمبالغة في تقبيح حالِهم . { وكفى بِهِ } أي بافترائهم هذا من حيث هو افتراءٌ عليه تعالى مع قطع النظرِ عن مقارنته لتزكية أنفسِهم وسائرِ آثامِهم العظامِ { إِثْماً مُبِيناً } ظاهراً بيّناً كونُه [ أشدَّ ] إثماً ، والمعنى كفي ذلك وحدَه في كونهم أشدَّ إثماً من كل كَفارٍ أثيم ، أو في استحقاقهم لأشدِّ العقوباتِ لما مر سرُّه ، وجعلُ الضميرِ لزعمهم مما لا مساغَ له لإخلاله بتهويل أمرِ الافتراءِ فتدبرْ .