إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا} (38)

{ والذين يُنْفِقُونَ أموالهم رِئَاء الناس } أي للفَخار وليقالَ : ما أسخاهم وما أجْودَهم لا ابتغاءَ وجهِ الله تعالى ، وهو عطفٌ على الذين يبخلون أو على الكافرين وإنما شاركوهم في الذم والوعيدِ لأن البخل والسَّرَفَ الذي هو الإنفاقُ فيما لا ينبغي من حيث إنهما طرفا تفريطٍ وإفراطٍ سواءٌ في القُبح واستتباعِ اللائمةِ والذمِّ ، ويجوز أن يكون العطفُ بناءً على إجراء التغايُرِ الوصفيِّ مُجرى التغايُرِ الذاتي كما في قوله : [ المتقارب ]

إلى الملك القَرْمِ وابنِ الهُمام *** وليثِ الكتائبِ في المزْدَحَمْ{[145]}

أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ يدل عليه قوله تعالى : { وَمَن يَكُن } الخ ، كأنه قيل : والذين ينفقون أموالَهم رئاءَ الناسِ { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر } ليتحرَّوْا بالإنفاق مراضِيَه تعالى وثوابَه وهم مشركو مكةَ المنفقون أموالَهم في عداوة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقيل : المنافقون { وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَاء قرِيناً } أي فقرينُهم الشيطانُ وإنما حُذف للإيذان بظهوره واستغنائِه عن التصريح به ، والمرادُ به إبليسُ وأعوانُه حيث حَمَلوهم على تلك القبائحِ وزيَّنوها لهم كما في قوله تعالى : { إِنَّ المبذّرين كَانُوا إخوان الشياطين } [ الإسراء ، الآية 27 ] ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأن الشيطانَ يُقرَنُ بهم في النار .


[145]:وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 1/451، 5/107، 6/91 وشرح قطر الندى ص 295.