إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُوا نَصِيبًا منَ الكتاب } تعجبٌ من حال أخرى لهم ، ووصفُهم بما ذكر من إيتاء النصيبِ لما مر من منافاته لما صدَر عنهم من القبائح ، وقولُه عز وجل : { يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت } استئنافٌ مُبينٌ لمادة التعجب مبنيٌّ على سؤال ينساق إليه الكلامُ كأنه قيل : ماذا يفعلون حين يُنظَر إليهم ؟ فقيل : يؤمنون الخ ، والجبتُ الأصنامُ وكلُّ ما عُبد من دون الله تعالى فقيل : أصلُه الجِبسُ وهو الذي لا خير عنده فأُبدل السنُ تاءً ، وقيل : الجبتُ الساحرُ بلغة الحبشة ، والطاغوتُ الشيطانُ ، قيل : هو في الأصل كل ما يُطغي الإنسان . روي ( أن حُيَيَّ بنَ أخطبَ وكعبَ بنَ الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكةَ في سبعين راكباً من اليهود ليحالفوا قريشاً على محاربة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وينقُضوا العهدَ الذي كان بينهم وبينه عليه السلام فقالوا : أنتم أهلُ كتابٍ وأنتم أقربُ إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكرَكم فاسجُدوا لآلهتنا حتى نطمئنَّ إليكم ففعلوا ) فهذا إيمانُهم بالجبت والطاغوتِ لأنهم سجَدوا للأصنام وأطاعوا إبليسَ فيما فعلوا ، وقال أبو سفيانَ لكعبٍ : إنك امرُؤٌ تقرأ الكتابَ وتعلم ، ونحن أُميون لا نعلم فأيُنا أهدى طريقاً نحن أم محمدٌ ؟ فقال : ماذا يقول محمد ؟ قال : يأمر بعبادة الله وحدَه وينهي عن الشرك ، قال : وما دينُكم ؟ قالوا : نحن ولاةُ البيتِ نسقي الحاجَّ ونَقْري الضيفَ ونفُكّ العانيَ ، وذكروا أفعالَهم فقال : أنتم أهدى سبيلاً . وذلك قولُه تعالى : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي لأجلهم وفي حقّهم { هَؤُلاء } يعنُونهم { أهدى من الذين آمنوا سبيلا } أي أقومُ ديناً وأرشدُ طريقةً ، وإيرادُهم بعنوان الإيمانِ ليس من قِبلَ القائلين بل من جهة الله تعالى تعريفاً لهم بالوصف الجميلِ وتخطئةً لمن رجّح عليهم المتصفين بأقبحِ القبائحِ .