إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (49)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } تعجيبٌ من حالهم المنافيةِ لما هم عليه من الكفر والطغيانِ ، والمرادُ بهم اليهودُ الذين يقولون : نحن أبناءُ الله وأحبّاؤُه ، وقيل : ( ناسٌ من اليهود جاءوا بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هل على هؤلاء ذنبٌ ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «لا » قالوا : ما نحن إلا كهيئتهم ما عمِلنا بالنهار كُفّر عنا بالليل وما عمِلنا بالليل كُفّر عنا بالنهار ) أي انظُر إليهم فتعجَّبْ من ادعائهم أنهم أزكياءُ عند الله تعالى مع ما هم عليه من الكفر والإثمِ العظيمِ أو من ادعائهم التكفيرَ مع استحالة أن يُغفرَ للكافر شيءٌ من كفره أو معاصيه ، وفيه تحذيرٌ من إعجاب المرءِ بنفسه وبعمله { بَلِ الله يُزَكّي مَن يَشَاء } عطفٌ على مقدَّر ينساقُ إليه الكلامُ كأنه قيل : هم لا يزكونها في الحقيقة لكَذِبهم وبُطلان اعتقادِهم ، بل الله يزكي من يشاء تزكيتَه ممن يستأهِلُها من المرتَضَيْن من عباده المؤمنين ، إذ هو العليمُ الخبيرُ بما ينطوي عليه البشرُ من المحاسن والمساوي وقد وصفهم الله بما هو متصفون به من القباح . وأصلُ التزكيةِ نفيُ ما يُستقبح بالفعل أو بالقول { وَلاَ يُظْلَمُونَ } عطفٌ على جملةٍ قد حُذفت تعويلاً على دِلالة الحالِ عليها وإيذاناً بأنها غنيةٌ عن الذكر أي يعاقَبون بتلك الفَعلةِ القبيحةِ ولا يظلمون في ذلك العقاب { فَتِيلاً } أي أدنى ظُلمٍ وأصغرَه ، وهو الخيطُ الذي في شِقّ النواةِ يُضرب به المثلُ في القِلة والحَقارةِ ، وقيل : التقديرُ يثاب المزكّون ولا يُنقص من ثوابهم شيءٌ أصلاً ، ولا يساعده مقامُ الوعيد .