اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثۡمٗا مُّبِينًا} (50)

{ كَيفَ } منصوبٌ ب { يَفْتَرُونَ } وتقدم الخِلافُ فيه ، والجملةُ في محلِّ نَصْبِ ، بعد إسقاطِ الخَافِضِ ؛ لأنَّها مُعلقةٌ{[8244]} ل " انظر " و " انظر " يتعدى ب " في " ؛ لأنها - هنا - لَيستْ بَصريَّةً ، و " على الله " مُتعلِّقٌ ب { يَفْتَرُونَ } ، وأجاز أبُو البَقَاءِ{[8245]} : أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، على أنه حالٌ من الكذبِ ، قُدِّمَ عليه ، قال : " ولا يجوز أن يتعلق بالكذب ؛ لأن معمولَ المصْدَرِ لا يتقدَّمُ عليه ، فإن جعل على التَّبيين جَازَ " ، وجوّز ابن عطيةَ{[8246]} : أن يكون " كيف " مُبْتدأ ، والجملةُ مِنْ قوله { يَفْتَرُونَ } الخَبَرُ ، وهذا فاسِدٌ ، لأن " كَيْفَ " لا تُرْفَعُ بالابتداءِ ، وعلى تقدير ذلك ، فأيْن الرَّابِطُ{[8247]} بينها وبَيْنَ الجملةِ الوَاقِعةِ خبراً عنها ولم تكن نفس{[8248]} المُبْتدأ ، حتى تَسْتغْنِي عَنْ رَابِطٍ ، و { إِثْماً } تمييزٌ ، والضميرُ في " به " عائدٌ على الكذبِ ، وقِيلَ : على الافْتِرَاءِ وجعلهُ الزمخشريُّ{[8249]} عَائِداً على زَعمهمْ ، يعْنِي : من حَيْثُ التقديرُ .

فصل في تعجيب النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود

هذا تَعْجيبٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فرْيتهم{[8250]} على الله ، وهو تَزْكيتهُم أنْفسَهُمِ وافْتراؤهم{[8251]} ، وهو قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] .

فصل في معنى الكذب

الكَذِبُ : هو الإخْبَارُ عَنِ الشيء على خلافِ المُخبرِ عَنْهُ ، سَواءٌ عَلِمَ قَائِلُه كَوْنَهُ كذلك ، أوْ لا يَعْلَمُ ، وقال الجَاحِظُ{[8252]} : شَرْطُ كَوْنِهِ كَذِباً ، أنْ يعلمَ القائِلُ كَوْنَه بِخلافِ ذلكِ ، وهذه الآيةُ دليلٌ عليه ؛ لأنَّهم كانُوا يَعْتَقدٌون في أنْفسهم الزِّكاءَ ، والطَّهَارَةَ : وكذبهم{[8253]} الله فيه .

وقوله : { وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } يقالُ في المدْحِ ، وفي الذَّمِّ ، أمَّا فِي المدْحِ ، فكقوله

{ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً } [ النساء : 45 ] وأمَّا في الذم ، فكما في هذا الموضع .


[8244]:في ب: متعلقة.
[8245]:ينظر: الإملاء 1/183.
[8246]:ينظر: المحرر الوجيز 2/66.
[8247]:في ب: الربط.
[8248]:في ب: نفسها.
[8249]:ينظر: الكشاف 1/521.
[8250]:في ب: تغريهم.
[8251]:في ب: وأفواءهم.
[8252]:ينظر: تفسير الرازي 10/102.
[8253]:في ب: فكذبهم.