إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{رَّبَّنَا ٱكۡشِفۡ عَنَّا ٱلۡعَذَابَ إِنَّا مُؤۡمِنُونَ} (12)

فمشَى إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبُو سفيانَ ونَفَرٌ معَهُ وناشدُوه الله تعالَى والرحمَ وواعدُوه إنْ دعَا لهم وكشفَ عنُهم أنْ يُؤمنوا ، وذلكَ قولُه تعالى { رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مؤْمِنُونَ } وهَذا قولُ ابنِ عبَّاسِ وابنِ مسعودٍ رضيَ الله عنُهم وبه أخذَ مجاهدٌ ومقاتلٌ وهو اختيارُ الفَرَّاءِ والزَّجَّاجِ ، وقيلَ : هو دُخانٌ يأتِي من السماءِ قبلَ يومِ القيامةِ ، فيدخلُ في أسماعِ الكفرةِ حتَّى يكونَ رأسُ الواحدِ كالرأسِ الحنيذِ ويعترِي المؤمنَ منه كهيئةِ الزكامِ وتكونُ الأرضُ كُّلها كبيتٍ أُوقدَ فيه ليسَ فيه خصاصٌ . وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : «أولُ الآياتِ الدُّخانُ ونزولُ عيسى ابنِ مريمَ ونارٌ تخرجُ من قعرِ عدنِ أبْينَ تسوقُ النَّاسَ إلى المحشرِ ، قالَ حذيفةُ : يا رسولَ الله وما الدُّخانُ ؟ فتَلا الآيةَ ، وقالَ يملأُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ يمكثُ أربعينَ يوماً وليلةً أمَّا المؤمنُ فيصيبُه كهيئةِ الزكمةِ وأما الكافرُ فهو كالسكرانِ يخرجُ من مَنْخِريهِ وأذنيهِ ودبُرهِ » . والأولُ هُو الذي يستدعيهِ مساقُ النظمِ الكريمِ قطعاً فإنَّ قولَه تعالى : { أنى لَهُمُ الذكرى } إلخ ردٌّ لكلامِهم واستدعائِهم الكشفَ وتكذيبٌ لهم في الوعدِ بالإيمانِ المنبئ عن التذكرِ والاتعاظِ بما اعتراهُم من الداهيةِ أي كيفَ يتذكرونَ أو مِنْ أين يتذكرون بذلك ويفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذابِ عنهم { وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } أيْ والحالُ أنَّهم شاهُدوا منْ دَوَاعي التذكرِ وموجباتِ الاتعاظِ ما هو أعظمُ منِهُ في إيجابِها حيثُ جاءَهُم رسولٌ عظيمٌ الشأنِ وبين لهم مناهجَ الحقِّ بإظهار آياتٍ ظاهرةٍ ومعجزاتٍ قاهرةٍ تخِرُّ لها صُمُّ الجبال . .