إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

{ إِنَّا أنزلناه } أي الكتابَ المبينَ الذي هُو القُرآنُ . { فِي لَيْلَةٍ مباركة } هيَ ليلةُ القدرِ ، وقيلَ ليلةُ البراءةِ ابتدئ فيها إنزالُه ، وأُنزلَ فيها جُملةً إلى السماءِ الدُّنيا من اللوحِ وأملاهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ على السَّفرَةِ ثم كانَ ينزله على النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَ ما في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً كما مرَّ في سورةِ الفاتحةِ . ووصفُها بالبركةِ لَما أنَّ نزولَ القُرآنِ مستتبعٌ للمنافعِ الدينيةِ والدنيويةِ بأجمعِها أو لِما فيها من تنزلِ الملائكةِ والرحمةِ وإجابةِ الدعوةِ وقسمِ النعمةِ وفصلِ الأقضيةِ وفضيلةِ العبادةِ وإعطاءِ تمامِ الشفاعةِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وقيلَ : يزيدُ في هذهِ الليلةِ ماءُ زمزمَ زيادةً ظاهرةً { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } استئنافٌ مبينٌ لما يقتضِي الإنزالَ كأنَّه قيلَ : إنَّا أنزلناهُ لأن من شأنِنا الإنذارَ والتحذيرَ من العقابِ ، وقيلَ : جوابٌ للقسمِ وقولُه تعالى إنَّا أنزلناهُ الخ اعتراضٌ وقيلَ : جوابٌ ثانٍ بغيرِ عاطفٍ .