إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (162)

{ فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } بما أمروا به من التوبة والاستغفارِ حيث أعرضوا عنه ووضعوا موضعَه { قَوْلاً } آخرَ مما لا خيرَ فيه . روي أنهم دخلوه زاحفين على أستاههم وقالوا مكانَ حطةٌ : حنطةٌ وقيل : قالوا بالنبطية حطاً شمقاثاً يعنون حنطةً حمراءَ استخفافاً بأمر الله تعالى واستهزاءً بموسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله تعالى : { غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } نعتٌ لقولاً ، صرّح بالمغايرة مع دِلالة التبديلِ عليها قطعاً تحقيقاً للمخالفة وتنصيصاً على المغايرة من كل وجه { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } إثرَ ما فعلوا ما فعلوا من غير تأخير ، وفي سورة البقرة { عَلَى الذين ظَلَمُواْ } [ البقرة ، الآية 59 ] والمعنى واحدٌ والإرسالُ من فوق فيكون كالإنزال { رِجْزًا منَ السماء } عذاباً كائناً منها والمراد الطاعون . روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعةٌ وعشرون ألفاً { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } بسبب ظلمِهم المستمرِّ السابق واللاحقِ حسبما يفيده الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبلِ لا بسبب التبديلِ فقط كما يُشعر به ترتيبُ الإرسالِ عليه بالفاء ، والتصريحُ بهذا التعليل لما أن الحُكم هاهنا مترتبٌ على المضمر دون الموصولِ بالظلم كما في سورة البقرة ، وأما التعليلُ بالفسق بعد الإشعارِ بعلّية الظلمِ فقد مر وجهُه هناك والله تعالى أعلم .