السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (162)

{ فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم } فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم أي : أدبارهم { فأرسلنا عليهم رجزاً } أي : عذاباً { من السماء بما كانوا يظلمون } أي : وهذه القصة أيضاً تقدّمت في سورة البقرة لكن ألفاظ هذه الآية تخالف الآية المذكورة في ( البقرة ، 58 )

من وجوه : الأوّل : أنه قال هناك : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } وهنا قال : { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية } والثاني : أنه قال هناك : { فكلوا } بالفاء وقال هنا : { وكلوا } بالواو ، والثالث : أنه قال هناك : { رغداً } وأسقطه هنا ، والرابع : أنه قال هناك : { وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } وقال هنا : على التقديم والتأخير ، والخامس : أنه قال هناك : { نغفر لكم خطاياكم } وقال هنا : { نغفر لكم خطيئاتكم } والسادس : أنه قال هناك : { وسنزيد المحسنين } وهنا : حذف الواو ، والسابع : أنه قال هناك : { فأنزلنا على الذين ظلموا } وقال هنا : { فأرسلنا عليهم } الثامن : أنه قال هناك : { بما كانوا يفسقون } وقال هنا : { بما كانوا يظلمون } ولا منافاة بين هذه الألفاظ المختلفة أمّا الأول : وهو أنه قال هناك : { ادخلوا هذه القرية } وقال هنا : { اسكنوا } فلا منافاة بينهما لأنّ كل ساكن في موضع فلا بدّ من الدخول فيه ، وأمّا الثاني : وهو قوله هناك : { فكلوا } بالفاء ، وقال هنا : { وكلوا } بالواو فالفرق بينهما أنّ للدخول حالة مقتضية للأكل عقب الدخول فحسن دخول الفاء التي هي للتعقيب ولما كانت السكنى حالة استمرار حسن دخول الواو عقب السكنى فيكون الأكل حاصلاً متى شاؤوا فظهر الفرق ، وأمّا الثالث : وهو أنه ذكر هناك : { رغداً } وأسقطه هنا فلأنّ الأكل عقب الدخول ألذ وأكمل والأكل مع السكنى والاستمرار ليس كذلك فحسن دخول لفظ رغداً هناك : دون هنا ، وأمّا الرابع : وهو قوله هناك : { ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } وقال هنا على التقديم والتأخير فلا منافاة في ذلك لأنّ المقصود من ذلك تعظيم أمر الله تعالى وإظهار الخضوع والخشوع له فلم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير ، وأمّا الخامس : وهو أنه قال هناك : { خطاياكم } وقال هنا : { خطيئاتكم } فهو إشارة إلى أنّ هذه الذنوب سواء كانت قليلة أم كثيرة فهي مغفورة عند الإتيان بهذا الدعاء والتضرّع ، وأمّا السادس : وهو قوله تعالى هناك : { وسنزيد } بالواو وقال هنا بحذفها فالفائدة في حذف الواو أنه تعالى وعد بشيئين بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بذلك المعنى لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل : ماذا حصل بعد الغفران ؟ فقيل : إنه سيزيد المحسنين ، وأما السابع : وهو الفرق بين أنزلنا وبين أرسلنا ، فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة والإرسال يشعر بها فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيراً وهو نظير ما تقدّم من الفرق بين انبجست وانفجرت .

وأما الثامن وهو الفرق بين قوله تعالى : { يفسقون } وبين قوله تعالى : { يظلمون } فلأنهم لما ظلموا أنفسهم فيما غيروا وبدّلوا فسقوا بذلك وخرجوا عن طاعة الله فوصفوا بكونهم ظالمين لأجل أنهم ظلموا أنفسهم ، وبكونهم فاسقين لأنهم خرجوا عن طاعة الله فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين هذا ملخص كلام الرازي رحمه الله تعالى ثم قال : وتمام العلم بذلك عند الله تعالى .