إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (52)

{ كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } في محل الرفع على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ والجملةُ استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أن ما حل بهم من العذاب بسبب كفرِهم لا بشيء آخرَ ، من جهة غيرِهم بتشبيه حالِهم بحال المعرفين بالإهلاك بسبب جرائمِهم لزيادة تقبيحِ حالِهم وللتنبيه على أن ذلك سنةٌ مطردةٌ فيما بين الأمم المهلَكةِ أي شأنُهم الذي استمروا عليه مما فعلوا وفُعل بهم من الأخذ كدأب آل فرعونَ المشهورين بقباحة الأعمالِ وفظاعةِ العذابِ والنكال { والذين مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل آلِ فوعون من الأمم التي فعلوا من المعاصي ما فعلوا ولقُوا من العقاب ما لقُوا كقوم نوحٍ وعادٍ وأضرابِهم من أهل الكفر والعناد وقوله تعالى : { كَفَرُواْ بآيات الله } تفسيرٌ لدأبهم الذي فعلوه لا لدأب آلِ فرعونَ ونحوِهم كما قيل ، فإن ذلك معلومٌ منه بقضية التشبيهِ ، وقوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ الله } تفسيرٌ لدأبهم الذي فُعل بهم ، وإلقاءٌ لبيان كونِه من لوازم جناياتِهم وتبعاتِها المتفرِّعةِ عليها ، وقوله تعالى : { بِذُنُوبِهِمْ } لتأكيد ما أفاده الفاءُ من السببية مع الإشارةِ إلى أن لهم مع كفرهم ذنوباً أُخَرَ لها دخلٌ في استتباع العقابِ ، ويجوز أن يكون المرادُ بذنوبهم معاصيَهم المتفرِّعةَ على كفرهم فتكونُ الباءُ للملابسة أي فأخذهم متلبسين بذنوبهم غيرَ تائبين عنها فدأبُهم مجموعُ ما فعلوا وفُعل بهم لا ما فعلوه فقط كما قيل . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن آلَ فرعون أيقنوا أن موسى عليه السلام نبيُّ الله فكذّبوه كذلك هؤلاء جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالصدق فكذبوه فأنزل الله تعالى بهم عقوبتَه كما أنزل بآل فرعونَ ، وجعل العذابِ من جملة دأبِهم مع أنه ليس مما يُتصوَّر مداومتُهم عليه واعتيادُهم إياه كما هو المعتبرُ في مدلول الدأبِ إما لتغليب ما فعلوه على ما فُعل بهم أو لتنزيل مداومتِهم على ما يوجبه من الكفر والمعاصي منزلةَ مداومتِهم عليه لما بينهما من الملابسة التامةِ ، وقوله تعالى : { إِنَّ الله قَوِىٌّ شَدِيدُ العقاب } اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله من الأخذ .