الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ } الآية ، وذلك أنّ الله تعالى أمر موسى ( عليه السلام ) أن يخرج ببني إسرائيل من مصر و [ تَبَعا ] بنو إسرائيل من القبط [ فأخرجهم ] بعلة عرس لهم وسرى بهم موسى وهم ستمائة ألف وعشرون ألفاً لا يُعدّ فيهم ابن سبعين سنة ولا ابن عشرين سنة ، [ إلى البحر وقال لكما ] القبط تلك الليلة ، فتتبعوا بني إسرائيل حتى أصبحوا وهو قوله :

{ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } [ الشعراء : 60 ] بعدما دفنوا أولادهم ، فلمّا بلغ فرعون ركب [ البحر ] ومعه ألف ألف وستمائة ألف .

قال محمد بن كعب : كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشهبان ، وكان [ . . . . . . . . ] وكان هارون على مقدمة بني إسرائيل وموسى في الساقة ، فلمّا انتهوا إلى البحر وقربت منهم مقدمة فرعون مائة ألف رجل ، كلٌ قد غطّى أعلى رأسه ببيضة وبيده حربة ، وفرعون خلفهم في الدميم ، فقالت بنو إسرائيل لموسى : أين ما وعدتنا ؟ هذا البحر أمامنا [ إن عبرناه ] غَرِقنا وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا ، ولقد أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا .

فقال موسى : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون ، وقال : كلا إنّ معي ربي سيهدين ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم ينفلق وقال : أنا أقدم منك وأشد خلقاً ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن كنه وقل : انفلق أبا خالد بإذن الله عزّ وجل ، ففعل ذلك فانفلق البحر وصار اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق . وكشف الله عن وجه الأرض فصارت يابسة وارتفع بين كل طريقين جبل .

وكانوا بني عمّ لا يرى بعضهم بعضاً ولا يسمع بعضهم كلام بعض ، فقال كل فريق : قد غرق أصحابنا فأوحى الله تعالى إلى الجبال من الماء تشبّكي فتشبكت وصارت فيه شبه الخروق فجعل ينظر بعضهم إلى بعض .

فلمّا وصل فرعون بجنوده إلى البحر ورأوا البحر بتلك الهيئة قال فرعون : هابني البحر ، وهابوا دخول البحر ، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى ، فجاء جبرئيل على فرس وديق وخاض البحر وميكائيل يسوقهم ، لا يشذ رجل منهم إلاّ ضمّه إليهم .

فلما شمّ أدهم فرعون ريح فرس جبرئيل ، وفرعون لا يراه انْسَلّ خلف فرس جبريل ولم يملك فرعون من أمره شيئاً واقتضمت الخيول في الماء ، فلما دخل آخرهم البحر وهمّ أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم ، فلمّا أدرك فرعون الغرق : { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ } فدسّ جبرئيل في فيه من حمأة البحر ،