الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ} (88)

{ قَالُواْ يأَيُّهَا الْعَزِيزُ } في الآية متروك يستدلّ بسياق الكلام عليه تقديره : فجاؤوا راجعين إلى مصر حتى وصلوا إليها فدخلوا على يوسف ، فقالوا له : يا أيّها العزيز ، يا أيّها الملك بلغة حمير ، { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } الشدّة والجوع { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } قليلة ، رديئة ناقصة ، كاسدة . لا تنفق في شيء من الطعام إلاّ [ يتوجبن ] من البائع فيها ، وأصل الإزجاء السوق والدفع ، قال الله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } [ النور : 43 ] قال النابغة الذبياني :

وهبّت الريحُ من تلقاء ذي أزل *** تُزجي مع الليلِ من صَرّادها صرما

وقال حاتم الطائي :

لَيبكِ على مَلِحان ضيفٌ مُدَفَّعٌ *** وأرمَلةٌ تُزجي مع الليلِ أَرملا

وإنّما قيل للبضاعة : مزجاة لأنّها غير نافقة وإنّما يجوز تجويزاً على دفع من أخذها . وأمالها حمزة والكسائي وفخّمها الباقون .

واختلف المفسّرون في هذه البضاعة ما هي ؟ عكرمة عن عباس : كانت دراهم رديئة زيوفاً لا تنفق إلاّ بوضيعه بإذن عنه ، يعني لا تنفق في الطعام ؛ لأنّه لا يُؤخذ في ثمن الطعام إلاّ الجيّد ، ابن أبي مليكة : حبل خِلق الغرارة والحبل ورثة المتاع ، عبدالله بن الحرث : متاع الأعراب ، الصوف والسّمن ، الكلبي ومقاتل وابن حيّان : الصنوبر وحبّة خضراء ، سعيد بن جبير : دراهم [ قليلة ] ، ابن اسحاق : قليلة لا تبلغ ما كان يشترى به إلاّ أن تتجاوز لنا فيها أحسن كانت أو أوطأ ، جويبر عن الضحّاك : النعال والأدم ، ورويَ عنه أنّها سويق المقل .

{ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ } أي أعطنا بها ما كنت تُعطينا من قبل بالثمن الجيّد الوافي { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } وتفضّل علينا بما بين الثمنين الجيّد والرديء . ولا تنقصنا من السعر ، هذا قول أكثر المفسّرين ، وقال ابن جريج والضحّاك : تصدّق علينا بردّ أخينا إلينا .

{ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } قال الضحّاك : لم يقولوا : إنّ الله يجزيك أن تصدّقت علينا لأنّهم لم يعلموا أنّه مؤمن ، قال عبدالجبار بن العلاء : سُئِلَ سفيان بن عُيينة : هل حرمت الصدقة على أحد من الأنبياء سوى نبيّنا صلى الله عليه وسلم قال سفيان : ألم تسمع قوله : { فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } أراد سفيان أنّ الصدقة كانت لهم حلالا وأنّها إنّما حُرّمت على نبيّنا صلى الله عليه وسلم وروي أنّ الحسن البصري سمع رجلا يقول : اللهمّ تصدّق عليّ ، فقال : يا هذا إنّ الله لا يتصدّق إنّما يتصدّق من يبغي الثواب ، قل : اللهمّ أعطني أو تفضّل عليّ .