الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } يعني خرجت من عريش مصر متوجّهة إلى كنعان . { قَالَ أَبُوهُمْ } لوِلد ولده { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } روي أنّ الريح استأذنت ربّها في أن تأتي يعقوب ( عليه السلام ) بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها فأتته بها ، ابن السدّي عن أبيه عن مجاهد ، قال : أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيّام وذلك أنّه هبّت فصفقت القميص فاحتملت الريحُ ريحَ القميص إلى عقوب فوجد ريح الجنّة فعلم أن ليس في الأرض من ريح الجنّة إلاّ أن تأتي من ذلك القميص فمن ثمّ قال : إنّي لأجدُ ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثماني ليال .

وروى شعيبة عن أبي سنان قال : سمعت عبدالله بن أبي الهُذيل قال : سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح يوسف روى أبو سنان عن أبي هذيل قال : سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح يوسف وهو منه على مسيرة ثماني ليال ، وروى شعيبة عن أبي سنان قال : سمعت عبدالله بن أبي الهُذيل عن ابن عباس في هذه الآية قال : وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة والكوفة . وقال الحسن : ذكر لنا أنّه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخاً .

{ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } : سفيان عن حصيف ، عن مجاهد { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } ، قال : تُسفهون الرأي ، عن ابن عباس : تجهلون ، ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد : لولا أن تقولوا ذهب عقلك ، سعيد بن جبير والسدّي والضحّاك : تُكذّبون ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، والحسن وقتادة : تهرمون ، ومثله روى إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد ، ربيع : تحمقون ، جويبر عن الضحّاك : تُهرمون ، فتقولون : شيخ كبير قد خرف وذهب عقله ، ابن يسار : تضعفون ، أبو عمرو بن العلاء : تقبحون ، الكسائي : تُعجزون ، الأخفش : تلومون ، أبو عبيدة : تُضللون ، وأصل الفند : الفساد ، قال النابغة :

إلاّ سُليمان إذْ قالَ المليك له *** قم في البرية فاحددها عن الفند

أي امنعها من الفساد ، ولذلك يقال : اللوم تفنيد ، قال الشاعر :

يا صاحبيَّ دعا لومي وتفنيدي *** فليس ما فات من أمر بمردود

وقال جرير بن عطية :

يا عاذليّ دعا الملامَ وأقصرا *** طال الهوى وأطلتُما التفنيدا

وقال آخر :أهلكتني باللومِ والتفنيد

والفند : الخطأ في الكلام والرأي ويقال : أفند فلاناً الدهر إذا أفسده ، ومنه قول ابن مُقبل :

دَع الدهر يفعل ما أراد فإنّه *** إذا كُلّف الافناد بالناس أفندا