الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } أي عمل . نظيره قوله سبحانه :

{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } [ الليل : 4 ] .

قال ابن عباس : هذه الآية منسوخة ، فأنزل الله بعدها

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ } [ الطور : 21 ] فادخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة ، وقال عكرمة : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى ، فأما هذه الأُمّة فلهم ما سعوا وما سعى غيرهم .

" بخبر سعد حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لأُمّي إنْ تطوعت عنها ؟ قال : " نعم " " ، وخبر المرأة التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي مات ولم يحجّ ، قال : " فحجي عنه " " .

وقال الربيع بن أنس : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ } يعني الكافر ، فأمّا المؤمن فله ما سعى وما سُعي ، وقيل : ليس للكافر من الخير إلاّ ما عمله فيثاب عليه في دار الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير .

ويروى أن عبد الله بن أُبيّ كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه ، فلمّا مات عبد الله أرسل رسول الله قميصه ليكفّن فيه . فلم تبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها .

وسمعت ابن حبيب يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب يقول : سمعت أبي يقول : دعا عبد الله بن طاهر والي خراسان الحسين بن الفضل قال : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ، قال : وما هي أيّها الأمير ؟ ، قال : قوله تعالى في وصف ابني آدم

{ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } [ المائدة : 31 ] وصحّ الخبر بأن «الندم توبة » ، وقوله :

{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] ، وصحّ الخبر «جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة » ، وقوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } فما بال الأضعاف فقال الحسين : يجوز ان لا يكون ندم قابيل توبة له ، ويكون ندم هذه الأُمة توبة لها ، إن الله سبحانه خص هذه الأُمة بخصائص لم يشركهم فيها الأمم .

وفيه قول آخر : وهو أن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ، وإنما كان على حمله ، وأما قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } يعني عن طريق العدل ، ومجاز الآية : وأنْ ليس للانسان إلاّ ما سعى عدلا ، ( ولى أن أجزيه بواحدة ألفاً فضلاً ) ، وأمّا قوله :

{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] فإنّها شؤون يعيدها لا شؤون يبديها ، ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت . قال : فقام عبد الله بن طاهر وقبّل رأسه وسوّغ خراجه .

قال أبو بكر الوراق : { إِلاَّ مَا سَعَى } أي نوى ، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم " يبعث الناس على نيّاتهم " .