الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ألف وأربعمائة وخمسة أحرف ، وثلاثمائة وستون كلمة ، واثنتان وستون آية .

أخبرني أبو الحسن بن القاسم بن أحمد بقراءتي عليه ، قال : حدّثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن جعفر ، قال : أخبرنا أبو عمرو الحيري وعمر بن عبدالله البصري ، قالا : حدّثنا محمد ابن عبدالوهاب قال : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة النجم أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد ومن جحد به ) .

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي ومجاهد برواية ابن أبي نجيح : يعني والثريّا إذا سقطت وغابت ، والعرب تسمّي الثريّا نجماً ، وإن كانت في العدد نجوماً .

قال أبو بكر محمد بن الحسن الدربندي : هي سبعة أنجم ، ستة منها ظاهرة ، وواحد منها خفي ، يختبر الناس به أبصارهم ، ومنه قول العرب إذا طلع النجم عشاءً : ابتغى الراعي كساءً وعن مجاهد أيضاً : يعني نجوم السماء كلها حتى تغرب ، لفظه واحد ومعناه الجمع ، كقول الراعي :

فباتت تعدّ النجم في مستحيره *** سريع بأيدي الآكلين جمودها

وسمّي الكوكب نجماً لطلوعه ، وكلّ طالع نجم ، ويقال : نجمَ السر والقرب والندب إذا طلع .

وروى عكرمة عن ابن عباس أنّه الرجم من النجوم ، يعني ما يرمى به الشياطين عند استراقهم السمع ، وقال الضحاك : يعني القرآن إذا نزل ثلاث آيات وأربع وسورة ، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة ، وهي رواية الأعمش عن مجاهد وحيان عن الكلبي ، والعرب تسمّي التفريق تنجيماً والمفرق نجوماً ومنه نجوم الدَّيْن .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن خلف قال : حدّثنا إسحاق بن محمد قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال : حدّثنا علي بن علي قال : حدّثني أبو حمزة الثمالي { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } قال : يقال : هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة ، وقال الأخفش هي النبت ، ومنه قوله :

{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] وهويّه : سقوطه على الأرض ، لأنه ما ليس له ساق ، وقال جعفر الصادق : يعني محمداً صلى الله عليه وسلم إذا نزل من السماء ليلة المعراج .

فالهويّ : النزول والسقوط ، يقال : هوى يهوى هويّاً : مضى يمضي مضيّاً ، قال زهير :

يشج بها الأماعز وهي تهوي *** هوي الدلو أسلمها الرشاء

وروى عروة بن الزبير عن رجال من أهل بيته قالوا : " كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب فأراد الخروج إلى الشام فقال : الأبتر محمد فلأوذينّه في ابنته فأتاه فقال : يا محمد هو يكفر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى ، ثم تفل في وجهه ورد عليه ابنته وطلّقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم سلّط عليه كلباً من كلابك " قال : وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال : ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة .

فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره بذلك ثم خرجوا إلى الشام ، فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم : هذه أرض مسبعة ، فقال أبو لهب لأصحابه : أعينونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد ، فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها وناموا حوله ، فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب وضرب عتبة بيده ضربة ، وأخذه فخدشه ، فقال : قتلني ومات مكانه "

فقال في ذلك حسان بن ثابت :

سائل بني الأصغر إنْ جئتهم *** ما كان أنباءُ أبي واسع

لا وسّع الله له قبره *** بل ضيّق الله على القاطع

رمى رسول الله من بينهم *** دون قريش رمية القاذع

واستوجب الدعوة منه بما *** بُيّن للنّاظر والسامع

فسلّط الله به كلبه *** يمشي الهوينا مشية الخادع

حتى أتاه وسط أصحابه *** وفد عليهم سمة الهاجع

فالتقم الرأس بيافوخه *** والنحر منه قفرة الجائع

ثم علا بعدُ بأسنانه *** منعفراً وسط دم ناقع

قد كان هذا لكمُ عبرة *** للسيّد المتبوع والتابع

من يرجعِ العامَ إلى أهله *** فما أكيل السبع بالراجع