جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ} (2)

وقوله : { حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ } يعني : حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها ، وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر ، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور ، وعيدا منه لهم وتهدّدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن حجاج ، عن المنهال ، عن زِرّ ، عن عليّ ، قال : كنا نشكّ في عذاب القبر ، حتى نزلت هذه الاَية : { ألهَاكَمُ التّكاثُرُ } . . . إلى : { كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ في عذاب القبر } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلىَ ، عن المنهال ، عن زِرّ ، عن عليّ ، قال : نزلت ( ألهَاكُمُ التّكاثُرُ ) في عذاب القبر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حَكّام ، عن عمرو ، عن الحجاج ، عن المنهال بن عمرو ، عن زِرّ ، عن عليّ ، قال : ما زلنا نشكّ في عذاب القبر ، حتى نزلت : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ} (2)

وقوله : { حتى زرتم المقابر } غاية ، فيحتمل أن يكون غاية لفعل { ألهاكم } كما في قوله تعالى : { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } [ طه : 91 ] ، أي دَام إلهاء التكاثر إلى أن زرتم المقابر ، أي استمرّ بكم طولَ حياتكم ، فالغاية مستعملة في الإِحاطة بأزمان المغيَّا لا في تنهيته وحصول ضده لأنهم إذا صاروا إلى المقابر انقطعت أعمالهم كلها .

ولكون زيارة المقابر على هذا الوجه عبارة عن الحلول فيها ، أي قبورَ المقابر . وحقيقة الزيارة الحلول في المكان حلولاً غير مستمر ، فأطلق فعل الزيارة هنا تعريضاً بهم بأن حلولهم في القبور يعقبه خروج منها .

والتعبير بالفعل الماضي في { زرتم } لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه مثل : { أتى أمرُ اللَّه } [ النحل : 1 ] .

ويحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر بهِ الدالِّ عليه التكاثُر ، أي بكل شيء حتى بالقبور تعدونها . وهذا يجري على ما رَوَى مقاتل والكلبي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بكثرة السادة منهم ، كما تقدم في سبب نزولها آنفاً ، فتكون الزيارة مستعملة في معناها الحقيقي ، أي زرتم المقابر لتَعُدُّوا القبور ، والعرب يكنّون بالقبر عن صاحبه قال النابغة :

لَئِنْ كان للقَبْرين قَبْرٍ بجِلَّقٍ *** وقَبر بصيداءَ الذي عند حَارِب

وقال عصام بن عُبيد الزّمَّاني ، أو همّام الرَّقَاشي :

لو عُدَّ قَبْرٌ وقبرٌ كُنتُ أقربَهم *** قبراً وأبْعَدَهم من مَنزِل الذَّام

أي كنتُ أقربهم منكَ قبراً ، أي صاحبَ قبر .

و{ المقابر } : جمع مقبَرة بفتح الموحدة وبضمها . والمقبرة الأرض التي فيها قبور كثيرة .

والتوبيخ الذي استُعمل فيه الخبر أُتبع بالوعيد على ذلك بعد الموت ، وبحرف الزجر والإِبطال بقوله : { كلا سوف تعلمون } فأفاد { كلا } زجراً وإبطالاً لإِنهاء التكاثر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني : حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها ، وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر ، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور ، وعيدا منه لهم وتهدّدا ....

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

فيه وجهان :

أحدهما : حتى أتاكم الموت فصرتم في المقابر زوّاراً ، ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله ، من جنة أو نار .

الثاني .....أي حتى ذكرتم الأموات في المقابر . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وقيل : كانوا يزورون المقابر فيقولون : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم . والمعنى : ألهاكم ذلك - وهو مما لا يعينكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم - عما يعينكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم . أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم ، منفقين أعماركم في طلب الدنيا ، والاستباق إليها ، والتهالك عليها ، إلى أن أتاكم الموت ، لا همّ لكم غيرها ، عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم ، والعمل لآخرتكم . وزيارة القبور : عبارة عن الموت . ...

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

وجعل الغاية زيارة المقابر دون الموت ....وأنهم فيها بمنزلة الزائرين ، يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها ، كما كانوا في الدنيا زائرين لها ، غير مستقرين فيها ، ودار القرار هي الجنة أو النار . ...

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

وهذا خبرٌ فيه تَقْرِيعٌ وتوبيخ وتحسُّرٌ ....