جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

قوله : اقْرأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ يقول : اقرأ يا محمد وربك الأكرم الّذِي عَلّمَ بِالقَلَمِ : خَلْقَه الكتاب والخط ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) قرأ حتى بلغ عَلّمَ بِالقَلَمِ قال : القلم : نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم ، ولم يصلح عيش .

وقيل : إن هذه أوّل سورة نزلت في القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني أحمد بن عثمان البصري ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : كان أوّل ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، كانت تجيء مثل فَلَقِ الصبح ، ثم حُبّب إليه الخلاء ، فكان بغار حِراء يتحنّث فيه اللياليَ ذواتِ العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله ، ثُمّ يَرْجع إلى أهْلِهِ فيتزوّد لمثلها ، حتى فجأه الحقّ ، فأتاه فقال : يا محمد أنت رسول الله ، قال رسول الله : «فَجَثَوْتُ لِرُكَبَتيّ وأنا قائمٌ ، ثُمّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي ، ثُمّ دَخَلْت عَلى خَدِيجَةَ ، فَقُلْتُ : زَمّلُونِي زَمّلُونِي ، حتى ذَهَبَ عَنّي الرّوْعُ ، ثُمّ أتانِي فَقالَ : يا مُحَمّدُ ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولُ اللّهِ ، قالَ : فَلَقَدْ هَمَمْت أنْ أطْرَحَ نَفْسِي مِنْ حالِقٍ مِنْ جَبَلٍ ، فَتَمَثّلَ إليّ حِينَ هَمَمْتُ بذلكَ ، فَقالَ : يا مُحمّدُ ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولٌ اللّهِ ، ثُمّ قالَ : اقْرأْ ، قُلْتُ : ما أقْرأُ ؟ قال : فأخَذَنِي فَغَطّنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ ، حتى بَلَغَ مِنّي الجَهْدُ ، ثمّ قالَ : ( اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) فَقَرأْتُ ، فأتَيْتُ خَدِيجَةً ، فَقَلْتُ : لَقَدْ أشْفَقْتُ عَلى نَفْسِي ، فأخْبَرْتُها خَبَرِي ، فَقَالَتْ : أبْشِرْ ، فَوَاللّهِ لا يُخْزيكَ اللّهُ أبَدا ، وَوَاللّهِ إنّكَ لَتَصِلُ الرّحَمِ ، وَتَصْدُقُ الْحَديثَ ، وَتُؤَدّي الأمانَةَ ، وَتَحْمِلُ الكَلّ ، وَتَقْرِي الضّيْفَ ، وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقّ ثُمّ انْطَلَقَتْ بِي إلى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلِ بنِ أسَدٍ ، قالَتِ : اسمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ ، فَسألَنِي ، فأخْبَرْتُهُ خَبِري ، فَقالَ : هَذَا النّامُوسُ الّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسَى صَلى اللّهُ عليهِ وسلّمَ ، لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ لَيْتَنِي أكُونُ حَيّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ، قُلْتُ : أوَ مُخْرِجيّ هُمْ ؟ قال : نَعَمْ ، إنّهُ لَمْ يَجِىءْ رَجُلٌ قَطّ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، إلاّ عُودِيَ ، وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرا مُؤَزّرا ، ثُمّ كانَ أوّلُ ما نَزَلَ عَليّ مِنَ القُرآنِ بَعْدَ «اقْرأْ » : ( ن والقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ وَإنّ لَكَ لأَجْرا غَيرَ مَمْنُونٍ وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ ) ، و( يا أيّها المُدّثِرُ قُمْ فأنْذِرْ ) ، و( والضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثني عروة أن عائشة أخبرته ، وذكر نحوه ، غير أنه لم يقل : ثم كان أوّل ما أُنزل عليّ من القرآن . . . الكلام إلى آخره .

حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا سليمان الشيباني ، قال : حدثنا عبد الله بن شدّاد ، قال : أتى جبريل محمدا ، فقال : يا محمد اقرأ ، فقال : «وما أقرأ ؟ » قال : فضمه ، ثم قال : يا محمد اقرأ ، قال : «وما أقرأ ؟ » قال : ( باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) حتى بلغ ( عَلّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) . قال : فجاء إلى خديجة ، فقال : «يا خديجة ما أراه إلا قد عُرِضَ لي » ، قالت : كّلا ، والله ما كان ربك يفعل ذلك بك ، وما أتيت فاحشة قطّ . قال : فأتت خديجة ورقة ، فأخبرته الخبر ، قال : لئن كنتِ صادقة إن زوجكِ لنبيّ ، ولَيَلْقَينّ من أمته شدّة ، ولئن أدركته لأومننّ به . قال : ثم أبطأ عليه جبريل ، فقالت له خديجة : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله : ( وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى ) .

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهريّ ، عن عُرْوة ، عن عائشة قال إبراهيم : قال سفيان : حفظه لنا ابن إسحاق : إن أوّل شيء أُنزل من القرآن : اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ .

حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهريّ عن عروة ، عن عائشة ، أنّ أوّل سورة أُنزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن عُبيد بن عُمير ، قال : أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ .

قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عُبيد بن عُمير يقول : فذكر نحوه .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : حدثنا قرّة ، قال : أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ ، قال : كنا في المسجد الجامع ، ومقرئنا أبو موسى الأشعريّ ، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين قال أبو رجاء : عنه أخذت هذه السورة : اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ، وكانت أوّل سورة نزلت على محمد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : أوّل سورة نزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهديّ ، قالا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أوّل ما نزل من القرآن : اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ وزاد ابن مهدي : ن والْقَلَمِ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عُبيد بن عُمير يقول : أوّل ما أنزل من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ .

قال : ثنا وكيع ، عن قُرّة بن خالد ، عن أبي رجاء العطارديّ ، قال : إني لأنظر إلى أبي موسى وهو يقرأ القرآن في مسجد البصرة ، وعليه بُردان أبيضان ، فأنا أخذت منه اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ، وهي أوّلُ سورة أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم .

قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إن أوّل سورة أُنزلت : اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ . ثم ن والقَلَمِ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

{ اقرأ }

وفعل { اقرأ } الثاني تأكيد ل { اقرأ } الأول للاهتمام بهذا الأمر .

{ وَرَبُّكَ الأكرم } .

جملة معطوفة على جملة : { اقرأ باسم ربك } فلها حكم الاستئناف ، و { ربك } مبتدأ وخبره إما { الذي علم بالقلم } وإما جملة : { علم الإنسان ما لم يعلم } . وهذا الاستئناف بياني .

فإذا نظرتَ إلى الآية مستقلة عما تضمنه حديث عائشة في وصف سبب نزولها كان الاستئناف ناشئاً عن سؤال يجيش في خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول : كيف أقرأ وأنا لا أحسن القراءة والكتابة ، فأجيب بأن الذي علم القراءة بواسطة القلم ، أي بواسطة الكتابة يعلمك ما لم تعلم .

وإذا قرنت بين الآية وبين الحديث المذكور كان الاستئناف جواباً عن قوله لجبريل : « ما أنا بقارىء » فالمعنى : لا عجب في أن تقرأ وإن لم تكن من قبل عالماً بالقراءة إذ العلم بالقراءة يحصل بوسائل أخرى مثل الإِملاء والتلقين والإِلهام وقد علم الله آدم الأسماء ولم يكن آدم قارئاً .

ومقتضى الظاهر : وعَلَّم بالقلم . فعُدل عن الإِضمار لتأكيد ما يشعر به { ربّك } من العناية المستفادة من قوله : { اقرأ باسم ربك } وأن هذه القراءة شأن من شؤون الرب اختص بها عبدَه إتماماً لنعمة الربوبية عليه .

وليجري على لفظ الرب وصفُ الأكرم .

ووصف { الأكرم } مصوغ للدلالة على قوة الاتصاف بالكرم وليس مصوغاً للمفاضلة فهو مسلوب المفاضلة .

والكرم : التفضل بعطاء ما ينفع المعطَى ، ونعم الله عظيمة لا تُحصى ابتداء من نعمة الإِيجاد ، وكيفية الخلق ، والإِمداد .

وقد جمعت هذه الآيات الخمسُ من أول السورة أصول الصفات الإلهية فوَصفُ الرب يتضمن الوجود والوحدانية ، ووصف { الذي خلق } ووصف { الذي علم بالقلم } يقتضيان صفات الأفعال ، مع ما فيه من الاستدلال القريب على ثبوت ما أشير إليه من الصفات بما تقتضيه الموصولية من الإِيماء إلى وجه بناء الخبر الذي يذكر معها . ووصف { الأكرم } يتضمن صفات الكمال والتنزيه عن النقائص .

ومفعولا { علم بالقلم } محذوفان دل عليهما قوله : { بالقلم } وتقديره : علّم الكاتبين أو علّم ناساً الكتابة ، وكان العرب يعظمون علم الكتابة ويعدونها من خصائص أهل الكتاب كما قال أبو حية النُّميري :

كما خُطّ الكتابُ بكفِّ يَوماً *** يَهُودِيَ يقارِب أو يُزيل

ويتفاخر من يعرف الكتابة بعِلمه وقال الشاعر :

تعلّمْتُ بَاجَاد وآل *** مُرَامِرٍ وسوَّدت أثوابي ولستُ بكاتب

وذُكر أن ظهور الخط في العرب أول ما كان عند أهل الأنبار ، وأدخل الكتابة إلى الحجاز حربُ بن أمية تعلمه من أسْلم بن سدرة وتعلمه أسلم من مُرامِر بن مُرة وكان الخط سابقاً عند حمير باليمن ويسمى المُسْنَد .

وتخصيص هذه الصلة بالذكر وجعلُها معترضة بين المبتدإ والخبر للإِيماء إلى إزالة ما خطر ببال النبي صلى الله عليه وسلم من تعذر القراءة عليه لأنه لا يعلم الكتابة فكيف القراءةُ إذْ قال للملك : « ما أنا بقارىء » ثلاث مرات ، لأن قوله : " ما أنا بقارىء " اعتذار عن تعذر امتثال أمره بقوله : { اقرأ } ؛ فالمعنى أن الذي علّم الناس الكتابة بالقلم والقراءة قادر على أن يعلمك القراءة وأنت لا تعلم الكتابة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "اقْرأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ" يقول : اقرأ يا محمد وربك الأكرم "الّذِي عَلّمَ بِالقَلَمِ" : خَلْقَه الكتاب والخط ... عن قتادة ( اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) قرأ حتى بلغ عَلّمَ بِالقَلَمِ قال : القلم : نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم ، ولم يصلح عيش .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر الأكرم ليعلم أن اختياره واصطفاءه لرسالته ونبوته وتعليمه القرآن ابتداء إحسان منه إليه وتفضل عليه ، لا لحق له عليه ، إذ ذكر في موضع المنة والفضل والكرم ، إذ الأكرم ، هو الوصف بغاية الكرم كالأعلم ، هو وصف بإحاطة العلم وكماله . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معناه: اقرأ القرآن وربك الأكرم، ومعنى الأكرم : الأعظم كرما ، وفي صفة الله تعالى معناه الأعظم كرما بما لا يبلغه كرم ، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره ، فكل نعمة من جهته تعالى ، إما بأن اخترعها أو سببها وسهل الطريق اليها . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ الأكرم } الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم ، ينعم على عباده النعم التي لا تحصى ، ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي وإطراحهم الأوامر ، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم ، فما لكرمه غاية ولا أمد ، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم ، حيث قال : { الأكرم الذي عَلَّمَ بالقلم ( 4 ) عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ( 5 ) }...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

على جهة التأنيس ، كأنه يقول : امض لما أمرت به وربك ليس كهذه الأرباب ، بل هو الأكرم الذي لا يلحقه نقص ، فهو ينصرك ويظهرك . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ اقرأ } ولما كان قد قال صلى الله عليه وسلم عند هذا الأمر إخباراً بالواقع كما يقول لسان الحال لو لم ينطق بلسان المقال : ما أنا بقارئ ، فكان التقدير : فربك الذي رباك فأحسن تربيتك ، وأدبك فأحسن تأديبك ، أمرك بالقراءة ، وهو قادر على جعلك قارئاً ، عطف عليه قوله : { وربك } أو يكون التقدير : والحال أن الذي خصك بالإحسان الجم { الأكرم } أي الذي له الكمال الأعظم مطلقاً من جهة الذات ، ومن جهة الصفات ، ومن جهة الأفعال ، فلا يلحقه نقص في شيء من الأشياء أصلاً .... فهو يعطيك ما لا يدخل تحت الحصر . ...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

وكرر الأمر ؛ لأن القراءة لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعود على ما جرت به العادة ؛ وتكرار الأمر الإلهي يقوم مقام تكرار المقروء ، وبذلك تصير القراءة ملكة للنبي صلى الله عليه وسلم ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفعل { اقرأ } الثاني تأكيد ل { اقرأ } الأول للاهتمام بهذا الأمر .

{ وَرَبُّكَ الأكرم } .

جملة معطوفة على جملة : { اقرأ باسم ربك } فلها حكم الاستئناف ، و { ربك } مبتدأ وخبره إما { الذي علم بالقلم } وإما جملة : { علم الإنسان ما لم يعلم } . وهذا الاستئناف بياني .

فإذا نظرتَ إلى الآية مستقلة عما تضمنه حديث عائشة في وصف سبب نزولها كان الاستئناف ناشئاً عن سؤال يجيش في خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول : كيف أقرأ وأنا لا أحسن القراءة والكتابة ، فأجيب بأن الذي علم القراءة بواسطة القلم ، أي بواسطة الكتابة يعلمك ما لم تعلم .

وإذا قرنت بين الآية وبين الحديث المذكور كان الاستئناف جواباً عن قوله لجبريل : « ما أنا بقارئ » فالمعنى : لا عجب في أن تقرأ وإن لم تكن من قبل عالماً بالقراءة إذ العلم بالقراءة يحصل بوسائل أخرى مثل الإِملاء والتلقين والإِلهام وقد علم الله آدم الأسماء ولم يكن آدم قارئاً .

ومقتضى الظاهر : وعَلَّم بالقلم . فعُدل عن الإِضمار لتأكيد ما يشعر به { ربّك } من العناية المستفادة من قوله : { اقرأ باسم ربك } وأن هذه القراءة شأن من شؤون الرب اختص بها عبدَه إتماماً لنعمة الربوبية عليه .

وليجري على لفظ الرب وصفُ الأكرم .

ووصف { الأكرم } مصوغ للدلالة على قوة الاتصاف بالكرم وليس مصوغاً للمفاضلة فهو مسلوب المفاضلة .

والكرم : التفضل بعطاء ما ينفع المعطَى ، ونعم الله عظيمة لا تُحصى ابتداء من نعمة الإِيجاد ، وكيفية الخلق ، والإِمداد .

وقد جمعت هذه الآيات الخمسُ من أول السورة أصول الصفات الإلهية فوَصفُ الرب يتضمن الوجود والوحدانية ، ووصف { الذي خلق } ووصف { الذي علم بالقلم } يقتضيان صفات الأفعال ، مع ما فيه من الاستدلال القريب على ثبوت ما أشير إليه من الصفات بما تقتضيه الموصولية من الإِيماء إلى وجه بناء الخبر الذي يذكر معها . ووصف { الأكرم } يتضمن صفات الكمال والتنزيه عن النقائص .

ومفعولا { علم بالقلم } محذوفان دل عليهما قوله : { بالقلم } وتقديره : علّم الكاتبين أو علّم ناساً الكتابة ، وكان العرب يعظمون علم الكتابة ويعدونها من خصائص أهل الكتاب ...

وتخصيص هذه الصلة بالذكر وجعلُها معترضة بين المبتدأ والخبر للإِيماء إلى إزالة ما خطر ببال النبي صلى الله عليه وسلم من تعذر القراءة عليه لأنه لا يعلم الكتابة فكيف القراءةُ إذْ قال للملك : « ما أنا بقارئ » ثلاث مرات ، لأن قوله : " ما أنا بقارئ " اعتذار عن تعذر امتثال أمره بقوله : { اقرأ } ؛ فالمعنى أن الذي علّم الناس الكتابة بالقلم والقراءة قادر على أن يعلمك القراءة وأنت لا تعلم الكتابة .