جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَمۡلَيۡتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلّذِينَ كَفَرُواْ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد إن يستهزىء هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الاَيات تكذيبا منهم ما جئتهم به ، فاصبر على أذاهم لك وامض لأمر ربك في إعذارهم والإعذار إليهم ، فلقد استهزأت أمم من قبلك قد خلَت فمضت برُسُلي ، فأطلت لهم في المَهَل ومددت لهم في الأجَل ، ثم أحللت بهم عذابي ونقمتي حين تمادوا في غيهم وضلالهم ، فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم ، ألم أذقهم أليم العذاب وأجعلهم عبرة لأولي الألباب . والإملاء في كلام العرب : الإطالة ، يقال منه : أمليت لفلان : إذا أطلت له في المهل ، ومنه المُلاوة من الدهر ، ومنه قولهم : تملّيت حينا ، ولذلك قيل لليل والنهار : «الملوان » لطولهما ، كما قال ابن مقبل :

ألا يا دِيارَ الحَيّ بالسّبُعانِ *** ألَحّ عَلَيْها بالبِلَى المَلَوَانِ

وقيل للخرق الواسع من الأرض : «ملاً » ، كما قال الشاعر :

فاخْضَلّ منها كُلّ بالٍ وعَيّنٍ *** وجَفّ الرّوَايا بالمَلا المُتَباطِنِ

لطول ما بين طرفيه وامتداده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَمۡلَيۡتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (32)

عطف على جملة { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } [ سورة الرعد : 31 ] الخ ، لأن تلك المُثُل الثلاثة التي فرضت أريد بها أمور سألها المشركون النبي استهزاءً وتعجيزاً لا لترقب حصولها .

وجاءت عقب الجملتين لما فيها من المناسبة لهما من جهة المُثل التي في الأولى ومن جهة الغاية التي في الثانية .

وقد استهزأ قوم نوح به عليه السلام { وكُلّما مَرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه } [ سورة هود : 38 ] ، واستهزأت عاد بهود عليه السلام { فأسقِط علينا كِسْفاً من السماء إن كنتَ من الصادقِين } [ سورة الشعراء : 187 ] ، واستهزأت ثمود بصالح عليه السلام { قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة } [ سورة الأعراف : 66 ] ، واستهزأوا بِشُعيْب عليه السلام { قالوا يا شُعيب أصلواتك تأمُرك أن نتْرك ما يَعبد آبَاؤنَا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرشيد } [ سورة هود : 87 ] ، واستهزأ فرعون بموسى عليه السلام { أم أنا خير من هذا الّذي هو مَهين ولا يكاد يبين } [ سورة الزخرف : 43 ] .

والاستهزاء : مبالغة في الهَزْء مثل الاسْتسْخار في السخرية .

والإملاء : الإمهال والتركُ مدة . ومنه واهجرني ملياً . وتقدم في قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم } في [ سورة الأعراف : 182 ] .

والاستفهام في فكيف كان عقاب للتعجيب .

و عقاب أصله عقابي مثل ما تقدم آنفاً في قوله : { وإليه متاب } .

والكلام تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ووعيد للمشركين .