وقوله : وَعُرِضُوا عَلى رَبّكَ صَفّا يقول عزّ ذكره : وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا لَقَدْ جِئْتُمُونا كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ يقول عزّ ذكره : يقال لهم إذ عُرضوا على الله : لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوّل مرّة وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام .
وقوله : بَلْ زَعَمْتُمْ ألّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدا وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع ، والمراد منه الخصوص ، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل ، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث . ومعلوم أنه لا يُقال يومئذٍ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا ، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة ، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات ، والحشر إلى القيامة موعدا ، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة .
عَرض الشيء : إحضاره ليُرى حاله وما يحتاجه . ومنه عرض الجيش على الأمير ليرى حالهم وعدتهم . وفي الحديث « عُرضت عليّ لأمم » وهو هنا مستعار لإحضارهم حيث يعلمون أنهم سيتلقون ما يأمر الله به في شأنهم .
والصف : جماعة يقفون واحداً حذو واحد بحيث يبدو جميعهم لا يحجب أحد منهم أحداً . وأصله مصدر ( صفهم ) إذا أوقفهم ، أطلق على المصفوف . وانتصب { صفاً } على الحال من واو { عُرضوا } . وتلك الحالة إيذان بأنهم أحضروا بحالة الجناة الذين لا يخفى منهم أحد إيقاعاً للرعب في قولبهم .
وجملة { وعرضوا على ربك } معطوفة على جملة { وحشرناهم } ، فهي في موضع الحال من الضمير المنصوب في { حشرناهم } ، أي حشرناهم وقد عرضوا تنبيهاً على سرعة عرضهم في حين حشرهم .
وعدل عن الإضمار إلى التعريف بالإضافة في قوله : { على ربك } دون أن يقال ( علينا ) لتضمن الإضافة تنويهاً بشأن المضاف إليه بأن في هذا العرض وما فيه من التهديد نصيباً من الانتصار للمخاطب إذ كذبوه حين أخبرهم وأنذرهم بالبعث .
وجملة { لقد جئتمونا } مقولٌ لقول محذوف دل عليه أن الجملة خطاب للمعروضين فتعين تقدير القول ، وهذه الجملة في محل الحال . والتقدير : قائلين لهم لقد جئتمونا . وذلك بإسماعهم هذا الكلام من جانب الله تعالى وهم يعلمون أنه من جانب الله تعالى . والخطاب في قوله : { لقد جئتمونا } موجه إلى معاد ضمير { عُرضوا } .
والخبر في قوله : { لقد جئتمونا } مستعمل في التهديد والتغليظ والتنديم على إنكارهم البعث . والمجيء : مجاز في الحضور ، شبهوا حين موتهم بالغائبين وشبهت حياتهم بعد الموت بمجيء الغائب .
وقوله : { كما خلقناكم أول مرة } واقع موقع المفعول المطلق المفيد للمشابهة ، أي جئتمونا مجيئاً كخلقكم أول مرة . فالخلق الثاني أشبه الخلق الأول ، أي فهذا خلق ثانٍ . و ( ما ) مصدرية ، أي كخلقنا إياكم المرة الأولى ، قال تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } [ ق : 15 ] . والمقصود التعريض بخطئهم في إنكارهم البعث .
والإضراب في قوله : { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً } انتقال من التهديد وما معه من التعريض بالتغليط إلى التصريح بالتغليط في قالب الإنكار ؛ فالخبر مستعمل في التغليط مجازاً وليس مستعملاً في إفادة مدلوله الأصلي .
والزعم : الاعتقاد المخطىء ، أو الخبر المعرَّض للكذب . والموعد أصله : وقت الوعد بشيء أو مكان الوعد . وهو هنا الزمن الموعود به الحياة بعد الموت .
والمعنى : أنكم اعتقدتم باطلاً أن لا يكون لكم موعد للبعث بعدا لموت أبداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.