جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ} (22)

وقوله : وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ يقول تعالى ذكره : وفي السماء : المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم ، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا النضر ، قال : حدثنا جُوَيبر ، عن الضحاك ، في قوله : وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ قال : المطر .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وفي السماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ قال : الثلج ، وكلّ عين ذائبة من الثلج لا تنقص .

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، عن الحسن ، قال : في السحاب فيه والله رزقكم ، ولكنكم تُحْرَمونه بخطاياكم وأعمالكم .

قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، قال : أحسبه أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا ، يقول : ومطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال : «كَذَبْتَ ، بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّهِ » .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ قال : رزقكم المطر .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ قال : رزقكم المطر .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن عند الله الذي في السماء رزقكم ، وممن تأوّله كذلك واصل الأحدب .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا هارون بن المُغيرة من أهل الرأي ، عن سفيان الثوري ، قال : قرأ واصل الأحدب هذه الاَية وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فقال : ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ، فدخل خرِبة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا ، فلما كان اليوم الثالث إذا هو دوخلّة رطب ، وكان له أخ أحسن نية منه ، فدخل معه ، فصارتا دوخلّتين ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق الموت بينهما .

واختلف أهل التأويل في تأويل ، قوله : وَما تُوعَدُونَ فقال بعضهم : معنى ذلك : وما توعدون من خير ، أو شرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وَما تُوعَدُونَ قال : وما توعدون من خير أو شرّ .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ يقول : الجنة في السماء ، وما توعدون من خير أو شرّ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما توعدون من الجنة والنار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَما تُوعَدُونَ قال : الجنة والنار .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَما تُوعَدُونَ من الجنة .

وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي ، القول الذي قاله مجاهد ، لأن الله عمّ الخبر بقوله : وَما تُوعَدُونَ عن كلّ ما وعدنا من خير أو شرّ ، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض ، فهو على عمومه كما عمه الله جلّ ثناؤه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ} (22)

بعد أن ذكر دلائل الأرض ودلائل الأنفس التي هم من علائِق الأرض عُطف ذكر السماء للمناسبة ، وتمهيداً للقَسم الذي بعده بقوله : { فوربِّ السماء والأرض إنه لحق } [ الذاريات : 23 ] . ولما في السماء من آية المطر الذي به تنبت الأرض بعد الجفاف ، فالمعنى : وفي السماء آية المطر ، فعدل عن ذكر المطر إلى الرزق إدماجاً للامتنان في الاستدلال فإن الدليل في كونه مطراً يحيي الأرض بعد موتها . وهذا قياس تمثيل للنبت ، أي في السماء المطر الذي ترزقون بسببه .

فالرزق : هو المطر الذي تحمله السحب والسماء هنا : طبقات الجو . وتقديم المجرور على متعلقه للتشويق وللاهتمام بالمكان وللردّ على الفاصلة .

وعَطف { وما توعدون } إدماج بين أدلة إثبات البعث لقصد الموعظة الشاملة للوعيد على الإشراك والوعد على الإيمان إن آمنوا تعجيلاً بالموعظة عند سنوح فرصتها .

وفي إيثار صيغة { تُوعَدون } خصوصية من خصائص إعجاز القرآن ، فإن هذه الصيغة صالحة لأن تكون مصوغة من الوعد فيكون وزن { توعدون } تفعلون مضارع وعَد مبنياً للنائب . وأصله قبل البناء للنائب تَعدون وأصله تَوْعَدُون ، فلما بني للنائب ضُمّ حرف المضارعة فصارت الواو الساكنة مَدة مجانسة للضمة فصار : تُوعدون . وصالحة لأن تكون من الإيعاد ووَزنه تأفْعَلُون مثل تصريف أكرم يكرم وبذلك صار { توعدون } مثل تُكرمَون ، فاحتملت للبشارة والإنذار .

وكون ذلك في السماء يجوز أن يكون معناه أنه محقق في علم أهل السماء ، أي الملائكة الموكلين بتصريفه . ويجوز أن يكون المعنى : أن مَكان حصوله في السماء ، من جنة أو جهنم بناء على أن الجنة وجهنم موجودتان من قبل يوم القيامة ، وفي ذلك اختلاف لا حاجة إلى ذكره . وفيه إيماء إلى أن ما أوعدوه يأتيهم من قِبَل السماء كما قال تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم } [ الدخان : 10 ، 11 ] . فإن ذلك الدخان كان في طبقات الجو كما تقدم في سورة الدخان .