جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له أيها الناس الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما من خلق فِي سِتّةِ أيّامٍ ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتّةِ أيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ في اليوم السابع . يقول : مالكم أيها الناس إله إلاّ من فعل هذا الفعل ، وخلَق هذا الخَلْق العجيب في ستة أيام .

وقوله : ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَليّ وَلا شَفِيعٍ يقول : ما لكم أيها الناس دونه وليّ يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرّا ، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه ، يقول : فإياه فاتخذوا وليا ، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم فإنه يمنعكم إذا أراد منعكم ممن أرادكم بسوء ، ولا يقدر أحد على دفعه عما أراد بكم هو ، لأنه لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب أفَلا تَتَذَكّرُونَ يقول تعالى ذكره : أفلا تعتبرون وتتفكّرون أيها الناس ، فتعلموا أنه ليس لكم دونه وليّ ولا شفيع ، فتفردوا له الألوهة ، وتخلصوا له العبادة ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والاَلهة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4)

وقوله تعالى : { في ستة أيام } يقضي بأن يوماً من أيام الجمعة بقي لم يخلق فيه شيء ، وتظاهرت الأحاديث الصحاح أن الخلق ابتدىء يوم الأحد ، وخلق آدم يوم الجمعة آخر الأشياء فهذا مستقيم مع هذه الآية .

ووقع في كتاب مسلم أن الخلق ابتدىء يوم السبت ، فهذا يخالف الآية اللهم إلا أن يكون أراد في الآية جميع الأشياء غير آدم ، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض ، لأن آدم لم يكن حينئذ مما بينهما ، وقد تقدم القول في قوله : { استوى على العرش } بما فيه كفاية ، و { ثم } في هذا الموضع لترتيب الجمل لأن الاستواء كان بعد أن لم يكن ، وهذا على المختار في معنى { استوى } ونفي «الشفاعة » محمول على أحد وجهين : إما عن الكفرة وإما نفي الشفعاء من ذاتهم على حد شفاعة الدنيا لأن شفاعة الآخرة إنما هي بعد إذن من الله تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4)

لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عُقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن .

وجيء باسم الجلالة مبتدأ لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به قطعاً لدابر عقيدة الشريك في الإلهية ، وخَبَرُ المبتدأ جملة { ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع } ، ويكون قوله : { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما صفة لاسم الجلالة .

وجيء باسم الموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر وأنه الانفراد بالربوبية لجميع الخلائق في السماوات والأرض وما بينهما ، ومن أولئك المشركون المعنيون بالخبر ، والخطاب موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات .

والوليّ : مشتق من الولاء ، بمعنى : العهد والحلف والقرابة . ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولَى . وأُريد بالولي : المشارك في الربوبية .

والشفيع : الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضرّ أو جلب نفع . والمشركون زعموا أن الأصنام آلهة شركاء لله في الإلهية ثم قالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] وقالوا : { ما نعبدهم إلا لِيُقَرِّبونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] .

و { مِن } في قوله { من دونه } ابتدائية في محل الحال من ضمير { لكم } ، و ( دون ) بمعنى غَير ، و { مِن } في قوله { من ولي } زائدة لتأكيد النفي ، أي : لا وليّ لكم ولا شفيع لكم غير الله فلا ولاية للأصنام ولا شفاعة لها إبطالاً لما زعموه لأصنامهم من الوصفين إبطالاً راجعاً إلى إبطال الإلهية عنها . وليس المراد أنهم لا نصير لهم ولا شفيع إلا الله لأن الله لا ينصرهم على نفسه ولا يشفع لهم عند نفسه ، قال الله تعالى : { ذلك بأن الله مولَى الذين ءامنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 11 ] وقال : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [ البقرة : 255 ] .

وتقدم تفسير نظيره { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } وبيان تأويل { ثم استوى على العرش } في سورة الأعراف ( 54 ) .

وفُرّع على هذا الدليل إنكارٌ على عدم تدبرهم في ذلك وإهمالهم النظر بقوله : { أفلا تتذكرون } فهو استفهام إنكاري . والتذكر : مشتق من الذُكر الذي هو بضم الذال وهو التفكر والنظر بالعقل .