جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (153)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ عَمِلُواْ السّيّئَاتِ ثُمّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوَاْ إِنّ رَبّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ } . .

وهذا خبر من الله تعالى ذكره أنه قابل من كلّ تائب إليه من ذنب أتاه صغيرة كانت معصيته أو كبيرة ، كفرا كانت أو غير كفر ، كما قبل من عَبدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم . يقول جلّ ثناؤه : والذين عملوا الأعمال السيئة ثم رجعوا إلى طلب رضا الله بإنابتهم إلى ما يحبّ مما يكره وإلى ما يرضى مما يسخط من بعد سيىء أعمالهم ، وصدّقوا بأن الله قابل توبة المذنبين وتائب على المنيبين بإخلاص قلوبهم ويقين منهم بذلك ، لَغَفُورٌ لهم ، يقول : لساتر عليهم أعمالهم السيئة ، وغير فاضحهم بها ، رحيم بهم ، وبكلّ من كان مثلهم من التائبين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (153)

وقوله تعالى : { والذين عملوا السيئات } الآية ، تضمنت هذه الآية الوعد بأن الله عز وجل يغفر للتائبين ، والإشارة إلى من تاب من بني إسرائيل ، وفي الآية ترتيب الإيمان بعد التوبة ، والمعنى في ذلك أنه أرادوا وأمنوا أن التوبة نافعة لهم منجية فتمسكوا بها فهذا إيمان خاص بعد الإيمان على الإطلاق ، ويحتمل أن يريد بقوله : { وآمنوا } أي وعملوا عمل المؤمنين حتى وافوا على ذلك ، ويحتمل أن يريد التأكيد فذكر التوبة والإيمان إذ هما متلازمان ، إلا أن التوبة على هذا تكون من كفر ولا بد فيجيء «تابوا وآمنوا » بمعنى واحد ، وهذا لا يترتب في توبة المعاصي فإن الإيمان متقدم لتلك ولا بد وهو وتوبة الكفر متلازمان ، وقوله : { إن ربك } إيجاب ووعد مرج .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل قوله : «تابوا وآمنوا » أن يكون لم تقصد رتبة الفعلين على عرف الواو في أنها لا توجب رتبة ويكون { وآمنوا } بمعنى وهم مؤمنون قبل وبعد ، فكأنه قال ومن صفتهم أن آمنوا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (153)

قوله : { والذين عملوا السيئات ثم تابوا } الآية اعتراض بأنهم إن تابوا وآمنوا يغفر الله لهم على عادة القرآن من تعقيب التهديد بالترغيب ، والمغفرة ترجع إلى عدم مؤاخذتهم بذنوبهم في عقاب الآخرة ، وإلى ارتفاع غضب الله عنهم في المستقبل ، والمراد بالسيئات : ما يشمل الكفر ، وهو أعظم السيّئات . والتوبةُ منه هي الإيمان .

وفي قوله : { من بعدها } في الموضعين حذف مضاف قبل ما أضيفت إليه ( بَعْد ) وقد شاع حذفهُ دل عليه { عملوا } أي من بَعد عَملها ، وقد تقدم الكلام على حذف المضاف مع ( بعد ) و ( قبل ) المضافين إلى مضاف للمضاف إليه عند قوله تعالى : { ثم اتخذتم العجل من بعده } في سورة البقرة ( 51 ) .

وحرف ( ثم ) هنا مفيد للتراخي ، وذلك إلجاء إلى قبول التوبة ، ولو بعد زمان طويل مملوء بفعل السيّئات .

وقوله : { من بعدها } تأكيد لمفاد المهلة التي أفادها حرف ( ثم ) وهذا تعريض للمشركين بأنهم إن آمنوا يغفر لهم ولو طال أمد الشرك عليهم .

وعطف الإيمان على التوبة ، مع أن التوبة تشمله من حيث إن الإيمان توبة من الكفر ، إما للاهتمام به ، لأنه أصل الاعتداد بالأعمال الصالحة عند الله تعالى كقوله : { وما أدراك ما العقبة فكّ رقبة إلى قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } [ البلد : 12 17 ] . ولئلا يظن أن الإشراك لخطورته لا تنجي منه التوبة .

وإما أن يراد بالإيمان إيمان خاص ، وهو الإيمان بإخلاص ، فيشمل عمل الواجبات .

والخطاب في قوله : { إن ربك } لمحمد صلى الله عليه وسلم على الوجه الأظهر ، أو لموسى على جعل قوله : { إن الذين اتخذوا العجل } مقولاً من الله لموسى .

وفي تعريف المسند إليه بالإضافة توسل إلى تشريف المضاف إليه بأنه مربوب لله تعالى ، وفي ذكر وصف الربوبية هنا تمهيد لوصف الرحمة .

وتأكيد الخبر بإن ولام التوكيد وصيغتي المبالغة في { غفور رحيم } لمزيد الاهتمام به ترغيب للعصاة في التوبة ، وطرداً للقنوط من نفوسهم ، وإن عظمت ذنوبهم ، فلا يحسبوا تحديد التوبة بحد إذا تجاوزتْه الذنوب بالكثرة أو العِظَم لم تقبل منه توبة .

وضمير : { من بعدها } الثاني مبالغة في الامتنان بقبول توبتهم بعد التملّي من السيئات .

وحذف متعلق { غفور رحيم } لظهوره من السياق ، والتقدير : لغفور رحيم لهم . أو لكل من عمل سيّئة وتاب منها .