القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنّ بِالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } .
يقول ذكره : ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي آتيناك من العلم الذي أوحينا إليك من هذا القرآن لنذهبنّ به ، فلا تعلمه ، ثم لا تجد لنفسك بما نفعل بك من ذلك وكيلاً ، يعني : قيّما يقوم لك ، فيمنعنا من فعل ذلك بك ، ولا ناصرا ينصرك ، فيحول بيننا وبين ما نريد بك ، قال : وكان عبد الله بن مسعود يتأوّل معنى ذهاب الله عزّ وجلّ به رفعه من صدور قارئيه . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن بُنْدار ، عن معقل ، قال : قلت لعبد الله ، وذكر أنه يُسرى على القرآن : كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا ؟ قال : يُسرى عليه ليلاً ، فلا يبقى منه في مصحف ولا في صدر رجل ، ثم قرأ عبد الله : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن إسحاق بن يحيى ، عن المسيب بن رافع ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : تطرق الناسَ ريح حمراء من نحو الشام ، فلا يبقى في مصحف رجل ولا قلبه آية . قال رجل : يا أبا عبد الرحمن ، إني قد جمعت القرآن ، قال : لا يبقى في صدرك منه شيء . ثم قرأ ابن مسعود : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ » .
وقوله تعالى : { ولئن شئنا } الآية فيها شدة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي عتاب على قوله غداً أعلمكم ، فأمر بأن يقول إن الروح من أمر ربه فيذعن بالتسليم لله في أنه يعلم بما شاء ، ويمسك عن عباده ما شاء ، ثم قيل له { وما أوتيتم } أنت يا محمد وجميع الخلائق { من العلم إلا قليلاً } ، فالله يعلم من علمه بما شاء ويدع ما شاء ، ولئن شاء لذهب بالوحي الذي أتاك ، ثم لا ناصر لك منه ، أي فليس بعظيم أن لا تجيء بتفسير في الروح الذي أردت أن تفسره للناس ووعدتهم بذلك ، وروى ابن مسعود أنه ستخرج ريح حمراء من قبل الشام فتزيل القرآن من المصاحف ومن الصدور وتذهب به ، ثم يتلو هذه الآية{[7691]} .
أراد ابن مسعود بتلاوة الآية أن يبدي أن الأمر جائز الوقوع ليظهر مصداق خبره من كتاب الله تعالى .
و «الوكيل » القائم بالأمر في الانتصار أو المخاصمة ونحو ذلك من وجود النفع .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول ذكره: ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي آتيناك من العلم الذي أوحينا إليك من هذا القرآن لنذهبنّ به، فلا تعلمه، ثم لا تجد لنفسك بما نفعل بك من ذلك "وكيلاً"، يعني: قيّما يقوم لك، فيمنعنا من فعل ذلك بك، ولا ناصرا ينصرك، فيحول بيننا وبين ما نريد بك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... أي له أن يرفع هذا الذي أوحي إليه ليعلموا أن إبقاء النبوة والوحي فضل منه ورحمة. وكذلك الوحي إليه والابتداء وبعثه رسولا إليهم فضل واختصاص لا استحقاق منه واستيجاب، كقوله تعالى: {والله يختص برحمته من يشاء} (البقرة: 105) وقوله: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} (آل عمران: 73)...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال:"ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا اليك" ومعناه إني أقدر أن آخذ ما أعطيك، كما منعته من غيرك، لكني دبرتك بالرحمة لك، فأعطيتك ما تحتاج إليه ومنعتك ما لا تحتاج اليه والى النص عليه، وإن توهم قوم أنه مما يحتاج اليه، فتدبر أنت بتدبير ربك وارض بما اختاره لك، ولو فعلنا ذلك لم تجد لك علينا وكيلا يستوفي ذلك منا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
سُنَّةُ الحقِّ- سبحانه -مع أحبائه وخواص عباده أن يُدِيمُ لهم افتقارهم إليه، ليكونوا في جميع الأحوال مُنْقادين لجريانِ حُكْمِه، وألا يتحركَ فيهم عِرقٌ بخلافِ اختياره، وعلى هذه الجملة خاطب حبيبَه- صلوات الله عليه- بقوله: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}: فمن كان استقلاله بالله يقدِّم مرادَ سيده على مراد نفسه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ولئن شئنا} الآية فيها شدة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عتاب على قوله غداً أعلمكم، فأمر بأن يقول إن الروح من أمر ربه فيذعن بالتسليم لله في أنه يعلم بما شاء، ويمسك عن عباده ما شاء، ثم قيل له {وما أوتيتم} أنت يا محمد وجميع الخلائق {من العلم إلا قليلاً}، فالله يعلم من علمه بما شاء ويدع ما شاء، ولئن شاء لذهب بالوحي الذي آتاك، ثم لا ناصر لك منه، أي فليس بعظيم أن لا تجيء بتفسير في الروح الذي أردت أن تفسره للناس ووعدتهم بذلك... و «الوكيل» القائم بالأمر في الانتصار أو المخاصمة ونحو ذلك من وجود النفع...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وفي هذا تحذير عظيم للهداة والعلماء وهم غير معصومين من الفتنة، بأن يباعد بينهم وبين هدي الدين بمظاهرتهم للرؤساء والعامة، وتركهم العمل به اتباعا لأهوائهم، واستبقاء لودهم، وحفظا لزعامتهم على الناس...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وإن هذا النص الكريم يفيد أمرين: الأمر الأول: منزلة القرآن ومكانها العظيم ومن الله تعالى على الخلق به؛ لأن فيه الشفاء والرحمة والهداية والموعظة وهو فصل الله على عباده وأنه لو شاء لاسترده. الأمر الثاني: سنة بقائه إلى يوم القيامة نور الوجود لإنساني وهاديه ومرشده عندما تفسد الضمائر وتطمس القلوب.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.