جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَتْ لاُخْتِهِ قُصّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَقالَتْ أمّ موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم قُصّيهِ يقول : قصي أثر موسى ، اتبعي أثره ، تقول : قصصت آثار القوم : إذا اتبعت آثارهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصام ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لأِخْتِهِ قُصيّهِ قال : اتبعي أثره كيف يصنع به .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد قُصيّهِ أي قصي أثره .

حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ قال : اتبعي أثره .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيهِ أي انظري ماذا يفعلون به .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَقالَتْ لاِخْتِهِ قُصّيهِ يعني : قصي أثره .

حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ أي قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا ، أحيّ ابني أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه ؟ ونَسيتِ الذي كان الله وعدها . وقوله : فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يقول تعالى ذكره : فقصت أخت موسى أثره ، فبصرت به عن جُنُب : يقول فبصرت بموسى عن بُعد لم تدن منه ولم تقرب ، لئلا يعلم أنها منه بسبيل . يقال منه : بصرت به وأبصرته ، لغتان مشهورتان ، وأبصرت عن جنب ، وعن جنابة ، كما قال الشاعر :

أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍ *** فَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائي جاحِدَا

يعني بقوله : عن جنابة : عن بُعد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسي وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَنْ جُنُبٍ قال : بُعد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد عَنْ جُنُبٍ قال : عن بُعد . قال ابن جُرَيج عَنْ جُنُبٍ قال : هي على الحدّ في الأرض ، وموسى يجري به النيل وهما متحاذيان كذلك تنظر إليه نظرة ، وإلى الناس نظرة ، وقد جعل في تابوت مقيّر ظهره وبطنه ، وأقفلته عليه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة : فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يقول : بصرت به وهي محاذيته لم تأته .

حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : ثني القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس فَبَصُرَتُ بِهِ عَنْ جُنُبٍ والجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد ، وهو إلى جنبه لا يشعر به .

وقوله : وَهُمْ لا يَشْعَرُونَ يقول : وقوم فرعون لا يشعرون بأخت . موسى أنها أخته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال : آل فرعون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته ، قال : جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته .

حدثنا حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لا يعرفون أنها منه بسبيل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

{ وقالت لأخته } مريم . { قصيه } اتبعي أثره وتتبعي خبره . { فبصرت به عن جنب } عن بعد وقرئ " عن جانب " " وعن جنب " وهو بمعناه . { وهم لا يشعرون } إنها تقص أو إنها أخته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

ثم قالت لأخت موسى طمعاً منها وطلباً ، { قصيه } ، والقص طلب الأثر ، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع ، و { عن جنب } أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به ، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر : [ الطويل ]

لقد ذكرتني عن جناب حمامة . . . بعسفان أهلي فالفؤاد حزين{[9118]}

ومن جنابة قول الأعشى : [ الطويل ]

أتيت حريثاً زائراً عن جنابة . . . فكان حريث عن عطائيَ جامدا{[9119]}

قال الفقيه الإمام القاضي : وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها ، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة : [ الطويل ]

فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابة . . . فإني امرؤ وسط القباب غريب{[9120]}

وقرأ قتادة «عن جَنْب » بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والأعرج ، وقرأ «عن جانب » النعمان بن سالم ، وقرأ الجمهور «عن جُنُب » بضم الجيم والنون ، وقوله { وهم لا يشعرون } ، معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها ، ويقال : بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب ، قال المهدوي : وقيل { عن جنب } معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه ، وقال قتادة : معنى { عن جنب } أنها تنظر إليه كأنها لا تريده .


[9118]:البيت لأعرابي لم يذكر اسمه، وهو واحد من ثلاثة أبيات ذكرها شهاب الدين الحموي في "معجم البلدان"، وعسفان بضم العين منهلة من مناهل الطريق بين مكة والجحفة، وقيل: هي على مرحلتين من مكة، وسميت عسفان من: عسفت المفازة وهو يعسفها، وهو قطعها بلا هداية أو قصد، وكذلك كل أمر يركب بغير رواية، وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني لحيان بعسفان، والأبيات الثلاثة هي: لقد ذكرتني عن حباب حمامة بعسفان أهلي فالفؤاد حزين فويحك كم ذكرتني اليوم أرضنا لعل حمامي بالحجاز يكون فوالله لا أنساك ما هبت الصبا وما اخضر من عود الأراك فنون هكذا رويت (حباب) بدلا من (جناب)، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
[9119]:البيت من قصيدة له يمدح هوذة بن علي الحنفي، ويذم الحارث بن وعلة الرقاشي، وحريث تصغير الحارث، صغره تحقيرا له، وجنابة: بعد ومن غير قصد، وهو الشاهد، وجامد: لا يلين ولا يعطي، وتروى: جاحدا، والشاهد قوله: عن جنابة.
[9120]:البيت من قصيدة علقمة الفحل التي قالها في مدح الحارث ملك الغساسنة في الشام بعد الواقعة المعروفة باسم "يوم حليمة" وقد أسر فيها عدد من بني تميم، وفيهم شاس أخو الشاعر، فذهب علقمة إلى الحارث مادحا طالبا سراح أخيه، وفعلا نجح في مسعاه، وأطلق الملك سراح أخيه ومن معه من الأسرى. والنائل: العطاء، ويريد به هنا إطلاق سراح أخيه، والجنابة: البعد والغربة، يقول: لا تحرمني وتمنع عني العفو عن الذنب الذي جئتك راجيا مستشفعا فيه، فإنني امرؤ غريب في هذه الديار.