يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قومك : الله أعبد مخلصا ، مفردا له طاعتي وعبادتي ، لا أجعل له في ذلك شريكا ، ولكني أُفرده بالألوهة ، وأبرأ مما سواه من الأنداد والاَلهة ، فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام ، وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه ، فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم .
وقوله : قُلْ إنّ الخاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهم : إن الهالكين الذين غَبَنوا أنفسهم ، وهلكت بعذاب الله أهلوهم مع أنفسهم ، فلم يكن لهم إذ دخلوا النار فيها أهل ، وقد كان لهم في الدنيا أهلون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ إنّ الخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ قال : هم الكفار الذين خلقهم الله للنار ، وخلق النار لهم ، فزالت عنهم الدنيا ، وحرّمت عليهم الجنة ، قال الله : خَسرَ الدّنْيَا وَالاَخِرَةَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ إنّ الخاسِرينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ قال : هؤلاء أهل النار ، خسروا أنفسهم في الدنيا ، وخسروا الأهلين ، فلم يجدوا في النار أهلاً ، وقد كان لهم في الدنيا أهل .
حُدثت عن ابن أبي زائدة ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : غبنوا أنفسهم وأهليهم ، قال : يخسرون أهليهم ، فلا يكون لهم أهل يرجعون إليهم ، ويخسرون أنفسم ، فيهلكون في النار ، فيموتون وهم أحياء فيخسرونهما .
وقوله : ألا ذلكَ هُو الخُسْرانُ المُبِينُ يقول تعالى ذكره : ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وذلك هلاكها هو الخسران المبين ، يقول تعالى ذكره : هو الهلاك الذي يبين لمن عاينه وعلمه أنه الخسران .
{ فاعبدوا ما شئتم من دونه } تهديدا وخذلانا لهم . { قل إن الخاسرين } الكاملين في الخسران . { الذين خسروا أنفسهم } بالضلال . { وأهليهم } بالإضلال . { يوم القيامة } حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران . وقيل وخسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده . { ألا ذلك هو الخسران المبين } مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير ب { ألا } ، وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه ب { المبين } .
وقوله : { فاعبدوا ما شئتم من دونه } صيغة أمر على جهة التهديد كنحو قوله : { اعملوا ما شئتم } [ فصلت : 40 ] وقوله : { تمتع بكفرك } [ الزمر : 8 ] ، وهذا كثير ، و { الذين } في قوله : { الذين خسروا أنفسهم } في موضع رفع خبر ، لأن قوله : { وأهليهم } قيل معناه أنهم خسروا الأهل الذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنة ، فهذا كما لو قال : خسروا أنفسهم ونعيمهم ، أي الذي كان يكون بهم ، وقيل أراد الأنفس والأهلين الذين كانوا في الدنيا ، لأنهم صاروا في عذاب النار ، ليس لهم نفوس مستقرة ولا بدل من أهل الدنيا ، ومن له في الجنة قد صار له إما أهله وإما غيرهم على الاختلاف فيما يؤثر في ذلك فهو على كل حال لا خسران معه بتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.