جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ هََذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عّلَيْهِ صَبْراً } .

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مّلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْباً } .

يقول : أما فِعْلي ما فعلت بالسفينة ، فلأنها كانت لقوم مساكين يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها بالخَرق الذي خرقتها ، كما :

حدثني محمد ابن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها قال : أخرقها .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

وقوله : وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا وكان أمامهم وقُدّامهم ملك . كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ قال قتادة : أمامهم ، ألا ترى أنه يقول : مِنْ وَرَائِهمْ جَهَنَمُ وهي بين أيديهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان في القرآن : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا . وقد ذُكر عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قرأ ذلك : وكان أمامهم ملك .

قال أبو جعفر : وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب «وراء » من حروف الأضداد ، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما خلفه ، واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر :

أيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعي وطاعَتِي *** وَقَوْمي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرَائيَا

بمعنى أمامي ، وقد أغفل وجه الصواب في ذلك . وإنما قيل لما بين يديه : هو ورائي ، لأنك من ورائه ، فأنت ملاقيه كما هو ملاقيك ، فصار : إذ كان ملاقيك ، كأنه من ورائك وأنت أمامه . وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة لا يجيز أن يقال لرجل بين يديك : هو ورائي ، ولا إذا كان وراءك أن يقال : هو أمامي ، ويقول : إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيام والأزمنة كقول القائل : وراءك برد شديد ، وبين يديك حرّ شديد ، لأنك أنت وراءه ، فجاز لأنه شيء يأتي ، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك ، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك . قال : فلذلك جاز الوجهان .

وقوله : يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا فيقول القائل : فما أغنى خَرْق هذا العالم السفينة التي ركبها عن أهلها ، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها ، مَعِيبها وغير معيبها ، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها ، لأن وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا ؟ قيل : إن معنى ذلك ، أنه يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا ، ويدع منها كلّ معيبة ، لا أنه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها . فإن قال : وما الدليل على أن ذلك كذلك ؟ قيل : قوله : فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها فأبان بذلك أنه إنما عابها ، لأن المعيبة منها لا يعرض لها ، فاكتفى بذلك من أن يقال : وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صحيحة غصبا على أن ذلك في بعض القراءات كذلك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : هي في حرف ابن مسعود : «وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني الحسن بن دينار ، عن الحكم بن عيينة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : في قراءة أُبي : «وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا » . وإنما عبتها لأردّه عنها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا فإذا خلفوه أصلحوها بزفت فاستمتعوا بها . قال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان ، عن شعيب الجَبَائِي ، أن اسم الرجل الذي يأخذ كلّ سفينة غصبا : هُدَدُ بنُ بُدد .