نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

{ قال } الخضر عليه السلام : { هذا } أي الوقت {[47106]}أو السؤال . ولما كان ذلك سبب الفراق أو محله ، سماه به مبالغة فقال{[47107]} : { فراق بيني وبينك } يا موسى {[47108]}بعد أن كان البينان بيناً واحداً لاتصالهما فلا{[47109]} بين ، فهو في الحقيقة فوق ما كان متصلاً من بينهما ، أو فراق التقاول الذي كان بيننا ، أي الفراق الذي سببه السؤال ، وإذا نزل{[47110]} على الاحتباك ازداد ظهوراً ، تقديره : فراق بيني من بينك كما أخبرت ، وفراق بينك من بيني كما شرطت ، وقد أثبتت هذه العبارة الفراق{[47111]} على أبلغ وجه ، وذلك أنه إذا وقع فراق بيني من بينك بحائل يحول بينهما فقد وقع منك بطريق الأولى ، وحقيقته أن البين هو الفراغ المنبسط الفاصل بين الشيئين وهو موزع بينهما ، فبين كل منهما من منتصف{[47112]} ذلك الفراغ إليه ، فإذا دخل في ذلك الفراغ شيء فصل بينهما ، وصار بين كل منهما ينسب إليه ، لأنه صار{[47113]} بين ما ينسب إلى كل منهما من البينين ، وحينئذ يكون بينهما مباينة ، أي أن بين{[47114]} كل منهما غير بين الآخر ومن قال : إن معنى " هذا فراق{[47115]} بيننا " زوال الفصل ووجود الوصل ، كذبه أن معنى " هذا اتصال بيننا " المواصلة ، فلو كان هذا معنى ذاك أيضاً لاتحد معنى ما يدل على الوصل بمعنى ما يدل على الفصل ، وقد نبه الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام - {[47116]}كما في تفسير الأصبهاني{[47117]} وغيره - بما فعل الخضر عليه السلام على ما وقع له هو{[47118]} من مثله سواء بسواء ، فنبهه - بخرق{[47119]} السفينة الذي ظاهره هلك وباطنه نجاة من يد الغاصب - على التابوت الذي أطبق عليه وألقي في اليم خوفاً عليه من فرعون الغاصب{[47120]} فكان{[47121]} ظاهره هلكاً{[47122]} وباطنه نجاة ، وبقتل الغلام على أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر في قتله{[47123]} القبطي وإن لم يكن إذ ذاك يعلمه لكونه{[47124]} لم ينبأ ، وبإقامة الجدار من غير أجر على سقيه لبنات شعيب عليهم السلام من غير أجر مع احتياجه{[47125]} لذلك .

ولما كان من المعلوم شدة استشراف موسى عليه السلام إلى الوقوف في باطن هذه الأمور ، قال مجيباً له عن هذا السؤال : { سأنبئك } يا موسى {[47126]}بوعد لا خلف فيه إنباء عظيماً{[47127]} { بتأويل } أي بترجيع { ما لم تستطع عليه صبراً * } لمخالفته عندك الحكمة إلى الحكمة{[47128]} {[47129]}وهو أن عند تعارض الضررين يجب ارتكاب الأدنى لدفع الأقوى بشرط التحقق{[47130]} ، وأثبت تاء الاستفعال{[47131]} هنا وفيما قبله إعلاماً بأنه ما نفى إلا القدرة البليغة على الصبر{[47132]} ، إشارة إلى صعوبة ما حمل موسى من ذلك ، لا مطلق القدرة على الصبر


[47106]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47107]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47108]:العبارة منهنا إلى "يدل على الفصل" ساقطة من ظ.
[47109]:من مد، وفي الأصل: فلما.
[47110]:من مد، وفي الأصل: ترد.
[47111]:زيد من مد.
[47112]:من مد، وفي الأصل: متصف.
[47113]:زيد في الأصل: إلى، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[47114]:زيد من مد.
[47115]:سقط من مد.
[47116]:العبارة من هنا إلى "وغيره" ساقطة من ظ.
[47117]:هو العلامة شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن الشافعي المتوفي سنة 749هـ. كشف الظنون 1 / 442 و 443.
[47118]:من ظ ومد، وفي الأصل: هذا.
[47119]:في ظ: بخرقه.
[47120]:زيد من ظ ومد.
[47121]:زيد في مد: من.
[47122]:زيد من ظ ومد
[47123]:في ظ: قتل.
[47124]:من ظ ومد وفي الأصل: بكونه.
[47125]:في ظ: فقره.
[47126]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47127]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47128]:زيد من ظ ومد.
[47129]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47130]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47131]:سقط من ظ.
[47132]:زيد في الأصل ومد: لا مطلق القدرة على الصبر ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.