السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

ولما كان كلام موسى هذا متضمناً للسؤال . { قال } له الخضر : { هذا } أي : هذا الإنكار على ترك الأجر { فراق بيني وبينك } وقيل : إن موسى عليه السلام لما شرط أنه إن سأله بعد ذلك سؤالاً آخر حصل به الفراق حيث قال : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } فلما ذكر هذا السؤال فارقه وهذا فراق بيني وبينك أي : هذا الفراق المعهود الموعود فإن قيل : كيف ساغ إضافة بين إلى غير متعدّد ؟ أجيب : بأنّ مسوّغ ذلك تكريره بالعطف بالواو ، ألا ترى أنك لو اقتصرت على قولك المال بيني لم يكن كلاماً حتى تقول : بيننا أو بيني وبين فلان ثم قال له الخضر : { سأنبئك } أي : سأخبرك يا موسى قبل فراقي لك { بتأويل } أي : بتفسير { ما لم تستطع عليه صبراً } لأن هذه المسائل الثلاثة مشتركة في شيء واحد وهو أن أحكام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مبنية على الظواهر كما قال صلى الله عليه وسلم : «نحن نحكم بالظواهر واللّه يتولى السرائر » والخضر ما كانت أموره وأحكامه مبنية على ظواهر الأمور بل كانت مبنية على الأسباب الخفية الواقعة في نفس الأمر ، وذلك لأن الظاهر في أموال الناس وفي أرواحهم أنه يحرم التصرّف فيها ، والخضر تصرف في أموال الناس وفي أرواحهم في المسألة الأولى وفي الثانية من غير سبب ظاهر يبيح ذلك التصرف لأن الإقدام على خرق السفينة وقتل الإنسان من غير سبب ظاهر يبيح ذلك التصرف محرّم ، والإقدام على إقامة ذلك الجدار المائل في المسألة الثالثة تحمل للتعب والمشقة من غير سبب ظاهر .