{ قَالَ } الخضر عليه السلام { هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ } على إضافة المصدر إلى الظرف اتساعاً ، وأين الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر .
وقرأ ابن أبي عبلة { فِرَاقُ بَيْنِى } بالتنوين ونصب بين على الظرفية ، وأعيد بين وإن كان لا يضاف إلا لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، قال أبو حيان : والعدول عن بيننا لمعنى التأكيد والإشارة إلى الفراق المدلول عليه بقوله قبل : { لا تُصَاحِبْنِى } [ الكهف : 76 ] والحمل مفيد لأن المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر الفراق باعتبار أنه في الخارج كما قيل أو إلى الوقت الحاضر أي هذا الوقت وقت فراقنا أو إلى الاعتراض الثالث أي هذا الاعتراض سبب فراقنا حسبما طلبت ، فوجه تخصيص الفراق بالثالث ظاهر .
وقال العلامة الأول : إنما كان هذا سبب الفراق دون الأولين لأن ظاهرهما منكر فكان معذوراً بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسيء بل يحمد . وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في وجهه أن قول موسى عليه السلام في السفينة والغلام كان لله تعالى ، وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق ، وحكى القشيري نحوه عن بعضهم . ورد ذلك في «الكشف » بأنه لا يليق بجلالتهما ولعل الخبر عن الحبر غير صحيح ، ونقل في «البحر » عن أرباب المعاني أن هذه الأمور التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى عليه السلام وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحاً في اليم ؟ ولما أنكر قتل الغلام قيل له أين إنكارك هذا ووكز القبطي والقضاء عليه ؟ ولما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنتي شعيب عليه السلام بدون أجرة ؟ ورأيت أنا في بعض الكتب أن الخضر عليه السلام قال : يا موسى اعترضت علي بخرق السفينة وأنت ألقيت ألواح التوراة فتكسرت واعترضت علي بقتل الغلام وأنت وكزت القبطي فقضى عليه واعترضت علي بإقامة الجدار بلا أجر وأنت سقيت لبنتي شعيب أغنامهما بلا أجر فمن فعل نحو ما فعلت لن يعترض علي ، والظاهر أن شيئاً من ذلك لا يصح والفرق ظاهر بين ما صدر من موسى عليه السلام وما صدر من الخضر وهو أجل من أن يحتج على صاحب التوراة بمثل ذلك كما لا يخفي .
وأخرج ابن أبي الدنيا . والبيهقي في شعب الإيمان . وابن عساكر عن أبي عبد الله وأظنه الملطي قال لما أراد الخضر أن يفارق موسى قال له : أوصني قال : كن نفاعاً ولا تكن ضراراً كن بشاشياً ولا تكن غضباناً ارجع عن اللجاجة ولا تمش من غير حاجة ولا تعير امرأ بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران .
وأخرج ابن أبي حاتم . وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال بلغني : أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه : يا موسى تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به ، وبلغني أن موسى قال للخضر : ادع لي فقال الخضر : يسر الله تعالى عليك طاعته والله تعالى أعلم بصحة ذلك أيضاً .
{ سَأُنَبّئُكَ } وقرأ ابن أبي وثاب { سأنبيك } بإخلاص الياء من غير همز ، والسين للتأكيد لعدم تراخي الإنباء أي أخبرك البتة { سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } والظاهر أن هذا لم يكن عن طلب من موسى عليه السلام ، وقيل : إنه لما عزم الخضر على فراقه أخذ بثيابه وقال : لا أفارقك حتى تخبرني بما أباح لك فعل ما فعلت ودعاك إليه فقال : { سَأُنَبّئُكَ } والتأويل رد الشيء إلى مآله ، والمراد به هنا المآل والعاقبة إذ هو المنبأ به دون التأويل بالمعنى المذكور ، وما عبارة عن الأفعال الصادرة من الخضر عليه السلام وهي خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، ومآلها خلاص السفينة من اليد الغاصبة وخلاص أبوي الغلام من شره مع الفوز بالبدل الأحسن واستخراج اليتيمين للكنز ، وفي جعل الموصول عدم استطاعة موسى عليه السلام للصبر دون أن يقال بتأويل ما فعلت أو بتأويل ما رأيت ونحوهما نوع تعريض به عليه السلام وعتاب ، ويجوز أن يقال : إن ذلك لاستشارة مزيد توجهه وإقباله لتلقي ما يلقى إليه ، و { صَبْراً } مفعول تستطع وعليه متعلق به وقدم رعاية للفاصلة .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [ الكهف : 78 ] أي حسبما أردت ، وقال النصرابادي : لما علم الخضر بلوغ موسى إلى منتهى التأديب وقصور علمه عن علمه قال ذلك لئلا يسأله موسى بعد عن علم أو حال فيفتضح .
وقيل : خاف أن يسأله عن أسرار العلوم الربانية الصفاتية الذاتية فيعجز عن جوابه فقال ما قال
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.