ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن مردهم إليه لا محالة بعد أن يقبض ملك الموت أرواحهم فقال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .
وقوله { يَتَوَفَّاكُم } من التوفى . وأصله أخذ الشئ وافيا تاما . يقال : توفاه الله ، أى : استوفى روحه وقبضها ، وتوفيت مالى بمعنى استوفيته والمراد بملك الموت : عزرائيل .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - فى الرد على هؤلاء الجاحدين : سيتولى قبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم ملك الموت الذى كلفه الله - تعالى - بذلك ثم إلى ربكم ترجعون ، فيجازيكم بما تستحقونه من عقاب ، بسبب كفرهم وجحودكم .
وأسند - سبحانه - هنا التوفى إلأى ملك الموت ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح . وأسنده إلى الملائكة فى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة } لأنهم أعوان ملك الموت الذين كلفهم الله بذلك .
وأسنده - سبحانه - إلى ذاته فى قوله : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا } لأن كل شئ كائنا ما كان ، لا يكون إلا بقضائه وقدره .
استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة { قل } في معنى جواب لقولهم { أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] ؛ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت . فالمقصود من الجملة هو قوله { ثم إلى ربكم ترجعون } إذ هو مناط إنكارهم ، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله { الذي وُكِّل بكم } فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه . وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين . وذلك إبطال لقولهم { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } [ الجاثية : 24 ] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات . وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .
والتوفّي : الإماتة . وتقدم في قوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } في سورة الأنعام ( 60 ) ، وقوله : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) .
وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفرداً كما هنا وورد مجموعاً في قوله : { ولو تَرى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) ، وقوله : { تَوفّتْه رسُلُنا } في سورة الأنعام ( 61 ) ، وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مُبلِّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله { الله يتوفّى الأنفس } [ الزمر : 42 ] ، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعواناً له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن . وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله { توفته رسلنا } [ الأنعام : 61 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.