التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الانشقاق

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الانشقاق " وتسمى سورة " إذا السماء انشقت " من السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة " الانفطار " ، وقبل سورة " الروم " وعدد آياتها خمس وعشرون آية في المصحف المكي والكوفي . وفي المصحف الشامي والبصري ثلاث وعشرون آية .

والسورة الكريمة ابتدأت بوصف أشراط الساعة . ثم فصلت الحديث عن أحوال السعداء والأشقياء يوم القيامة ، وخلال ذلك حرضت المؤمنين على أن يزدادوا من الإيمان والعمل الصالح ، وحذرت الكافرين من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم وفسوقهم .

قوله : { انشقت } من الانشقاق بمعنى الانفطار والتصدع ، بحيث تتغير هيئتها . ويختل نظامها . كما قال - تعالى - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ } وانشقاق السماء قد ورد فى آيات متعددة منها قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام } وقوله - سبحانه - : { فَإِذَا انشقت السمآء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سميت في زمن الصحابة { سورة إذا السماء انشقت } . ففي الموطأ عن أبي سلمة أن أبا هريرة قرأ بهم إذا السماء انشقت فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها . فضمير { فيها } عائد إلى { إذا السماء انشقت } بتأويل السورة ، وبذلك عنونها البخاري والترمذي وكذلك سماها في الإتقان .

سماها المفسرون وكتاب المصاحف { سورة الانشقاق } باعتبار المعنى كما سميت السورة السابقة { سورة التطفيف } و { سورة انشقت } اختصارا .

وذكرها الجعبري في نظمه في تعداد المكي والمدني بلفظ { كدح } فيحتمل أنه عنى أنه اسم للسورة ولم أقف على ذلك لغيره .

ولم يذكرها في الإتقان مع السور ذوات الأكثر من اسم .

وهي مكية بالاتفاق .

وقد عدت الثالثة والثمانين في تعداد نزول السور نزلت بعد سورة الانفطار وقبل سورة الروم .

وعد آيها خمسا وعشرين أهل العدد بالمدينة ومكة والكوفة وعدها أهل البصرة والشام ثلاثا وعشرين .

أغراضها

ابتدئت بوصف أشراط الساعة وحلول يوم البعث واختلاف أحوال الخلق يومئذ بين أهل نعيم وأهل شقاء .

قدم الظرف { إذا السماء انشقت } على عامله وهو { كادح } للتهويل والتشويق إلى الخبر وأول الكلام في الاعتبار : يا أيها الإِنسان إنك كادح إذا السماء انشقت الخ .

ولكن لما تعلق { إذا } بجزء من جملة { إنك كادح } وكانت { إذا } ظرفاً متضمناً معنى الشرط صار : يا أيها الإنسان إنك كادح جواباً لشرط { إذا } ولذلك يقولون { إذا } ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه ، أي خافض لجملة شرطه بإضافته إليها منصوباً بجوابه لتعلقه به فكلاهما عامل ومعمول باختلاف الاعتبار .

و { إذا } ظرف للزمان المستقبل ، والفعل الذي في الجملة المضافة إليه { إذا } مؤول بالمستقبل وصيغ بالمضيّ للتنبيه على تحقق وقوعه لأن أصل { إذا } القطع بوقوع الشرط .

وانشقت مطاوع شَقَّها ، أي حين يشقُّ السماءَ شَاق فتنشق ، أي يريد الله شقها فانشقت كما دل عليه قوله بعده : { وأذنت لربها } .

والانشقاق هذا هو الانفطار الذي تقدم في قوله : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] وهو انشقاق يلوح للناس في جوّ السماء من جرَّاء اختلال تركيب الكرة الهوائية أو من ظهور أجرام كوكبية تخرج عن دوائرها المعتادة في الجو الأعلى فتنشق القبة الهوائية فهو انشقاق يقع عند اختلال نظام هذا العالم .

وقدّم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : { إذا السماء انشقت } دون أن يقال : إذا انشقت السماء لإفادة تقوّي الحكم وهو التعليق الشرطي ، أي إن هذا الشرط محقق الوقوع ، زيادة على ما يقتضيه { إذا } في الشرطية من قصد الجزم بحصول الشرط بخلاف ( إنْ ) .