فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الانشقاق

هي ثلاث وعشرون آية ، وقيل خمس وعشرون آية وهي مكية بلا خلاف . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الانشقاق بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي رافع قال : «صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد ، فقلت له ، فقال : سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه » . وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قال : «سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت } و{ اقرأ باسم ربك } » . وأخرج ابن خزيمة والروياني في مسنده ، والضياء المقدسي في المختارة عن بريدة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر { إذا السماء انشقت } ونحوها » .

قوله : { إِذَا السماء انشقت } هو كقوله : { إِذَا الشمس كُوّرَتْ } [ التكوير : 1 ] في إضمار الفعل وعدمه . قال الواحدي : قال المفسرون : انشقاقها عن علامات القيامة ، ومعنى انشقاقها : انفطارها بالغمام الأبيض كما في قوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام } [ الفرقان : 25 ] وقيل : تنشقّ من المجرّة ، والمجرّة باب السماء .

واختلف في جواب إذا ، فقال الفرّاء : إنه «أذنت » ، والواو زائدة ، وكذلك ألقت . قال ابن الأنباري : هذا غلط ، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى إذا كقوله : { حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها } [ الزمر : 73 ] ومع لما ، كقوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وناديناه } [ الصافات : 103 ، 104 ] ولا تقحم مع غير هذين . وقيل : إن الجواب قوله : { فملاقيه } أي فأنت ملاقيه ، وبه قال الأخفش . وقال المبرد : إن في الكلام تقديماً وتأخيراً : أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً ، فملاقيه إذا السماء انشقت . وقال المبرد أيضاً : إن الجواب قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ } وبه قال الكسائي والتقدير : إذا السماء انشقت ، فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا ، وقيل هو : { يأيها الإنسان } على إضمار الفاء ، وقيل : إنه { يأيها الإنسان } على إضمار القول : أي يقال له يأيها الإنسان وقيل : الجواب محذوف تقديره بعثتم ، أو لاقى كلّ إنسان عمله ، وقيل : هو ما صرّح به في سورة التكوير : أي علمت نفس هذا ، على تقدير أن إذا شرطية ، وقيل : ليست بشرطية وهي منصوبة بفعل محذوف أي اذكر ، أو هي مبتدأ وخبرها إذا الثانية والواو مزيدة ، وتقديره : وقت انشقاق السماء وقت مدّ الأرض .

/خ25