التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

وقد رد عليها الملائكة بقولهم : { قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله } ؟ ! !

أى : أتستبعدين على قدرة الله - تعالى - أن يرزقك الولد وأنت وزوجك فى هذه السن المتقدمة ؟ لا إنه لا ينبغى لك أن تستبعدى ذلك ، لأن قدرة الله لا يعجزها شئ . فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة ، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة .

وقوله : { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } حكاية لما قالته الملائكة لها ، زيادة فى سرورها وفى إدخال الطمأنينة على قلبها .

أى رحمة الله الواسعة ، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم - عليه السلام - .

قال صاحب الكشاف : وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها ، لأنها كانت فى بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ، ولا يزدهيا ما يزدهى سائر النساء الناشئات فى غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده ، مكان التعجب .

وإلى ذلك أشارت الملائكة فى قولهم { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } .

أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمهم به رب العزة ، ويخصكم بالإِنعام به يا أهل بيت النبوة ، فليس بمكان عجب ، والكلام مستأنف علل به إنكارا التعجب . كأنه قيل : " إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم " .

وقوله - سبحانه - { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل .

أى إنه - سبحانه - { حَمِيدٌ } أى : مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده { مَّجِيدٌ } أى : كريم واسع الإِحسان ، فليس بعيداً منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر .

قال صاحب المنار ما ملخصه : وأصل المجد فى اللغة أن تقع الإِبل فى أرض واسعة المرعى ، كثيرة الخصب ، يقال : مجدت الإِبل تمد من باب نصر - مجداً ومجادة ، وأمجدها الراعى .

والمجد فى البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم .

ووصف الله كتابه بالمجيد ، كما وصف نفسه بذلك ، لسعة هداية كتابه ، وسعة كرمه وفضله على عباده . . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

والضمير في قوله : { قالوا } للملائكة ، وقوله : { من أمر الله } يحتمل أن يريد واحد الأمور ، أي من الولادة في هذه السن ، ويحتمل أن يريد مصدر أمر ، أي مما أمر الله في هذه النازلة .

وقوله : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } يحتمل اللفظ أن يكون دعاء وأن يكون إخباراً ، وكونه إخباراً أشرف ، لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم ، وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد . ونصب { أهلَ البيت } على الاختصاص - هذا مذهب سيبويه ، ولذلك جعل هذا والنصب على المدح في بابين . كأنه ميز النصب على المدح بأن يكون المنتصب لفظاً يتضمن بنفسه مدحاً كما تقول : هذا زيد عاقل قومه ، وجعل الاختصاص إذا لم تتضمن اللفظة ذلك ، كقوله : إنا معاشر الأنبياء{[6435]} .

وإنا بني نهشل{[6436]} .

قال القاضي أبو محمد : ولا يكون الاختصاص إلا بمدح أو ذم ، لكن ليس في نفس اللفظة المنصوبة .

وهذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته لأنها خوطبت بهذا ، فيقوى القول في زوجات النبي عليه السلام بأنهن من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس ، بخلاف ما تذهب إليه الشيعة ، وقد قاله أيضاً بعض أهل العلم ، قالوا : «أهل بيته » الذين حرموا الصدقة ، والأول أقوى وهو ظاهر جلي من سورة الأحزاب لأنه ناداهن بقوله : { يا نساء النبي } [ الأحزاب : 32 ] ثم بقوله : { أهل البيت }{[6437]} .

قال القاضي أبو محمد : ووقع في البخاري عن ابن عباس قال : أهل بيته الذين حرموا الصدقة بعده ؛ فأراد ابن عباس : أهل بيت النسب الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : «إن الصدقة لا تحل لأهل بيتي إنما هي أوساخ الناس »{[6438]} .

و { البيت } في هذه الآية وفي سورة الأحزاب بيت السكنى ففي اللفظ اشتراك ينبغي أن يتحسس إليه . ففاطمة رضي الله عنها من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم بالوجهين ، وعلي رضي الله عنه بالواحد ، وزوجاته بالآخر ، وأما الشيعة فيدفعون الزوجات بغضاً في عائشة رضي الله عنها . و { حميد } أي أفعاله تقتضي أن يحمد ، و { مجيد } أي متصف بأوصاف العلو ، ومجد الشيء إذا حسنت أوصافه .


[6435]:- أشهر ما ورد من الأحاديث مبدوءا بلفظ (إنا) قوله صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا)، رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا، وقوله: (إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)، رواه الطبراني في الكبير عن الطيالسي، وقوله: (إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء)، رواه الطبراني في الكبير عن أخت حذيفة، والأولان رمز لهما السيوطي بالصحة، والثال رمز له بأنه حديث حسن، ولكن اللفظ فيهما (معشر)، أما الحديث الذي ورد بلفظ (معاشر) فهو قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)، ورواه الإمام أحمد في مسنده (2- 463) بلفظ: (إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركت بعد مؤنة عاملي ونفقة نسائي صدقة)، ونلاحظ اختلاف الألفاظ بين (إنا) و(نحن)، وبين (معشر) و(معاشر).
[6436]:- إنا بني نهشل لا ندعي لأب عنه ولا هو بالأبناء يشرينا وهو من أبيات رواها أبو تمام في أوائل ديوان الحماسة، ونسبوها لبشامة بن حزم النهشلي، وأول هذه الأبيات قوله: إنا محيوك يا سلمى فحيينا وإن سقيت كرام الناس فاسقينا ومن الناس من ينسب هذه الأبيات لرجل من بني قيس بن ثعلبة من غير أن يُعيّنه، ويروي صدر بيت الشاهد: "إنا بني مالك"
[6437]:- الآيتان (32، 33) من سورة (الأحزاب).
[6438]:- رواه مسلم في الزكاة والإمام أحمد (4-166، 6-8)، ولفظه كما رواه الإمام أحمد: عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث أنه هو والفضل أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوجهما ويستعملهما على الصدقة فيصيبان من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنما لا تحل لمحمد ولا لآل محمد...) وللحديث بقية تجدها في المصدر المذكور.