التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

وقوله - سبحانه - : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات سُبْحَانَهُ } ، بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة ، وهو معطوف على ماقبله .

وسؤالهم يوم القيامة عما اجترحوه - مع أنه سؤال تقريع وتأنيب - إلا أنه يدل على عدل الله - تعالى - مع هؤلاء الظالمين ؛ لأنه لم يعاقبهم إلا بعد أن سألهم ، وبعد أن ثبت إجرامهم ، وفي ذلك ما فيه من تعليم العباد أن يكونوا منصفين فى أحكامهم .

وهذه الآية الكريمة تحكي ما كان شائعا فى بعض قبائل العرب ، من أنهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله . قالوا : وكانت قبيلة خزاعة وقبيلة كنانة تقولان بذلك في الجاهلية .

أي : أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بجعل نصيب مما رزقناهم لآلهتهم ، بل أضافوا إلى ذلك رذيلة أخرى ، وهي أنهم زعموا أن الملائكة بنات الله - تعالى - ، وأشركوها معه فى العبادة .

قوله { سبحانه } مصدر نائب عن الفعل ، وهو منصوب على المفعولية المطلقة ، وهو في محل جملة معترضة ، وقعت جوابا عن مقالتهم السيئة ، التى حكاها الله - تعالى - عنهم ، وهي { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات } ، أي : تنزه وتقدس الله - عز وجل - عن أن يكون له بنات أو بنين ، فهو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .

والمراد بما يشتهونه في قوله - عز وجل - : { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } : الذكور من الأولاد . أي : أن هؤلاء المشركين يجعلون لأصنامهم نصيبا مما رزقناهم ، ويجعلون لله - تعالى - البنات ، أما هم فيجعلون لأنفسهم الذكور ، ويختارونهم ليكونوا خلفاء لهم .

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله - تعالى - : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

وقوله : { ويجعلون لله البنات } الآية ، هذا تعديد لقبح قول الكفار : الملائكة بنات الله ، ورد عليهم من وجهين : أحدهما : نسبة النسل إلى الله ، تعالى عن ذلك . والآخر : أنهم نسبوا من النسل الأخس المكروه عندهم ، و { ما } في قوله : { ما يشتهون } ، مرتفعة بالابتداء ، والخبر في المجرور قبله ، وأجاز الفراء أن تكون في موضع نصب عطفاً على { البنات }{[7344]} ، والبصريون لا يجيزون هذا ، لأنه من باب ضربتني ، وكان يلزم عندهم أن يكون لأنفسهم ما يشتهون . والمراد بقوله : { ما يشتهون } : الذكران من الأولاد .


[7344]:هذا رأي الفراء والحوفي، ووافقهما عليه الزمخشري، وقال أبو البقاء: "ذهل هؤلاء عن قاعدة في النحو، وهي أن الفعل الرافع لضمير الاسم المتصل لا يتعدى إلى ضميره المتصل المنصوب، فلا يجوز : "زيد ضربه زيد" تريد: ضرب نفسه، إلا في باب ظن وأخواتها من الأفعال القلبية، أو (فقد) و (عدم) ، فيجوز: "زيد ظنه قائما، وزيد فقده، وزيد عدمه"، والضمير المجرور بالحرف كالمنصوب المتصل، فلا يجوز: "زيد غضب عليه" تريد: غضب على نفسه، فعلى هذا الذي تقرر لا يجوز النصب ؛ إذ يكون التقدير: ويجعلون لهم ما يشتهون". انتهى كلام أبي البقاء، وعلق عليه أبو حيان الأندلسي في البحر بقوله: "وفيه نظر".