التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من عقيدة البعث . فحكت أقوالهم الباطلة ، وردت عليهم بما يكبتهم وبينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، وأن النجاة فى هذا اليوم للمتقين ، والعذاب والخسران للكافرين قال - تعالى - : { وَيَقُولُ الإنسان . . . } .

ذكر كثير من المفسرين أن قوله - تعالى - : { وَيَقُولُ الإنسان . . . } نزل فى أشخاص معينين .

فمنهم من يرى أن هذه الآية نزلت فى " أبى بن خلف " فإنه أخذ عظما باليا ، فجعل يفتته بيده ، ويذريه فى الريح ويقول : زعم محمد - صلى الله عليه وسلم - أننا نبعث بعد أن نموت ونصير مثل هذا العظم البالى ومنهم من يرى أنها نزلت فى الوليد بن المغيرة ، أو فى العاصى بن وائل ، أو فى أبى جهل .

وعلى كل واحد من هذه الأقوال تكون ( أل ) فى الإنسان للعهد ، والمراد بها أحد هؤلاء الأشخاص ، ويكون لفظ الإنسان من قبيل العام الذى أريد به الخصوص .

ومن الأساليب العربية المعروفة ، إسناد الفعل إلى المجموع ، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم كما يقال : بنو فلان فلاناً مع أن القاتل واحد منهم ، ومن هذا القبيل قول الفرزدق :

فسيوف بنو عبس وقد ضربوا به . . . نَبَت بيدَىْ ورقاء من رأس خالد

فقد أسند الضرب إلى بنى عبس ، مع أنه صرح بأن الضارب هو ورقاء الذى كان السيف بيده .

وقيل : المراد بالإنسان هنا : جماعة معينون وهم الكفرة المنكرون للبعث أو المراد : جنس الكافر المنكر للبعث .

و " إذا " فى قوله : { أَإِذَا مَا مِتُّ } منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط .

والمعنى : ويقول هذا الإنسان الجاهل الجحود ، المنكر للبعث والنشور ، أأعود للحياة مرة أخرى بعد موتى ، وبعد أن أكون كالعظام النخرة .

والاستفهام للإنكار والنفى ، وعبر - سبحانه - بالمضارع { يَقُولُ } لاستحضار تلك الصورة الغريبة ، وتلك الأقوال المنكرة التى صدرت عن هذا الكافر ، أو لإفادة أن هذا القول موجود ومستمر عند كثير من الكافرين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - حكاية عن هؤلاء الجاحدين : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } وقوله - عز وجل - : { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

{ الإنسان } اسم للجنس يراد به الكافر ، وروي أن سبب هذه الآية هو أن رجالاً من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه ، وذكر أن القائل هو أبي خلف جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم مرفت فنفخ فيه وقال أيبعث هذا وكذب وسخر ، وقيل إن القائل هو العاصي بن وائل ، وقرأ الأعرج وأبو عمرو «ائذا مامت » بالاستفهام الظاهر ، وقرأت فرقة «إذا » دون ألف استفهام وقد تقدم هذا مستوعباً{[8003]} ، وقرأت فرقة بكسر الميم ، وقرأت فرقة «مُت » بضمها . واللام في قوله { لسوف } مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلاً قال للكافر إذا مت يا فلان لسوف تخرج حياً فقرر الكافر على الكلام على جهة الاستبعاد وكرر اللام حكاية للقول الأول{[8004]} . وقرأ جمهور الناس «أُخرَج » بضم الهمزة وفتح الراء ، وقرأ الحسن بخلاف وأبو حيوة «أَخرُج » بفتح الهمزة وضم الراء .


[8003]:قرأ الجمهور [أئذا]، وقرأ ابن زكوان وجماعة [إذا] على الخبر، وقد تقرر ذلك في كثير من الآيات، وقد قال أبو حيان في البحر المحيط: "ومن قرأ من القراء على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة لأن ذلك يكون تصديقا بما هو موضع الاستفهام والإنكار، لكنه يحزف همزة الاستفهام لدلالة المعنى عليه".
[8004]:نقل أبو حيان الأندلسي هذا الكلام في البحر المحيط، ثم عقب عليه بقوله: "ولا يحتاج إلى هذا التقدير، ولا إلى أن هذا حكاية لقول تقدم، بل هذا من الكافر استفهام فيه معنى الجحد والإنكار، ومن قرأ : {إذا ما مت} تكون الهمزة قد حذفت لدلالة المعنى عليها، وقد يكون إخبارا على سبيل الهزء والسخرية بمن يقول ذلك إذ لم يرد به مطابقة اللفظ للمعنى".