وقوله - سبحانه - : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى } .
استئناف مسوق لتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من المشركين ، والشقاء يأتى فى اللغة بمعنى التعب والعناء ، ومنه المثل القائل " أشقى من رائض مهر " أى : أتعب . ومنه قول ابى الطيب المتنبى :
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله . . . وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
أى : ما أنزلنا عليك القرآن - أيها الرسول الكريم - لكى تتعب وتجهد نفسك هما وغما بسبب إعراض المشركين عن دعوتك ، كما قال - تعالى - : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً } وإنما أنزلناه إليك لتسعد بنزوله ، ولتبلغ آياته ، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فأنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب .
ومنهم من يرى أن المقصود بالآية النهى عن المغالاة فى العبادة ، فقد أثر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قام الليل حتى تورمت قدماه فيكون المعنى : ما أنزلنا عليك القرآن لكى تهلك نفسك بالعبادة ، وتذيقها ألوان المشقة والتعب ، فإن الله - تعالى - يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، وما جعل عليكم فى الدين من حرج .
ومنهم من يرى أن الآية مسوقة للرد على المشركين ، الذين قالوا : ما أنزل هذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا ليشقى ، فيكون المراد بالشقاء ما هو ضد السعادة .
قال القرطبى ما ملخصه : " وأصل الشقاء فى اللغة العناء والتعب ، أى : ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب ، بسبب فرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم . . . أى : ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر .
وروى أن أبا جهل والنضر بن الحارث قالا للنبى - صلى الله عليه وسلم - إنك لتشقى لأنك تركت دين آبائك ، فأريد الرد على ذلك بأن دين الإسلام ، وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز ، والسبب فى درك كل سعادة ، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها .
وروى أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى بالليل حتى اسمندّت قدماه - أى : تورمت - فقال له جبريل : أبق على نفسك فإن لها عليك حقا ، أى : ما أنزلنا عليك القرآن لتنهك نفسك فى العبادة ، وتذيقها المشقة الفادحة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة . .
ويبدو لنا أن الآية الكريمة وإن كانت تتسع لهذه المعانى الثلاثة ، إلا أن المعنى الأول أظهرها ، وأقربها إلى سياق الآيات الكريمة ، فإن قوله - تعالى - بعد ذلك : { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى } بيان للحكمة التى من أجلها أنزل الله - تعالى - هذا القرآن .
أى : ما أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن لتتعب من فرط تأسفك على كفر الكافرين ، وإنما أنزلناه من أجل أن يكون { تَذْكِرَةً } أى موعظة تلين لها قلوب من يخشى عقابنا ، ويخاف عذابنا ، ويرجو ثوابنا .
وما دام الأمر كذلك فامض فى طريقك ، وبلغ رسالة ربك ، ثم بعد ذلك لا تتعب نفسك بسبب كفر الكافرين ، فإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء .
وخص - سبحانه - التذكرة بمن يخشى دون غيره ، لأن الخائف من عذاب الله - تعالى - هو وحده الذى ينتفع بهدايات القرآن الكريم وآدابه وتوجيهاته وأحكامه ووعده ووعيده . . كما قال - تعالى - : { فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ } وكما قال - سبحانه - : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } أى : الساعة .
وقوله { لتشقى } قالت فرقة : معناه لتبلغ عن نفسك في العبادة والقيام في الصلاة ، وقالت فرقة : إنما سبب الآية أن قريشا لما نظرت إلى عيش رسول صلى الله عليه وسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت : إن محمداً مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم ، أي إن الله لم ينزل القرآن ليجعل محمداً شقياً بل ليجعله أسعد بني آدم بالنعيم المقيم في أعلى المراتب ، فالشقاء الذي رأيتم هو نعيم النفس ولا شقاء مع ذلك ع : فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.