التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَآقَّةُ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الحاقة

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الحاقة " من السور المكية الخالصة ، وكان نزولها بعد سورة " الملك " وقبل سورة " المعارج " ، وعدد آياتها إحدى وخمسون آية ، وعند بعضهم اثنتان وخمسون آية .

قال الآلوسي : " ويدل على مكيتها ما أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال : " خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فوقفت خلفه ، فاستفتح بسورة ( الحاقة ) ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، فقلت –أي في نفسي- : هذا والله شاعر ، فقرأ [ وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ] فقلت : كاهن ، فقرأ [ وما هو بقول كاهن قليلا ما تذكرون . تنزيل من رب العالمين ] إلى آخر السورة . فوقع الإسلام في قلبي كل موقع " ( {[1]} ) .

وعلى هذا الحديث يكون نزولها في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة لأن إسلام عمر –رضي الله عنه- كان –تقريبا- في ذلك الوقت .

2- والسورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن مصارع المكذبين ، وعن أحوال أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، وعن إقامة الأدلة المتعددة على أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- وعلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه –عز وجل- .

وتمتاز هذه السورة بقصر آياتها ، وبرهبة وقعها على النفوس ، إذ كل قارئ لها بتدبر وتفكر ، يحس عند قراءتها بالهول القاصم ، وبالجد الصارم ، وببيان أن هذا الدين حق لا يشوبه باطل . وأن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم صدق لا يحوم حوله كذب .

نرى ذلك كله في اسمها ، وفي حديثها عن مصارع الغابرين ، وعن مشاهد يوم القيامة التي يشيب لها الولدان .

نسأل الله تعالى –أن يرحمنا جميعا برحمته .

الراجي عفو ربه

دحمد سيد طنطاوي

كلمة " الحاقة " مأخوذة من حق الشئ إذا ثبت وجوده ثبوتا لا يحتمل الشك . . وهى من أسماء الساعة ، وسميت الساعة بهذا الاسم لأن الأمور تثبت فيها وتَحق ، خلافا لما كان يزعمه الكافرون من أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء .

والهاء فيها يصح أن تكون هاء التأنيث ، فيكون لفظ " الحاقة " صفة لموصوف محذوف ، أى : الساعة الحاقة .

ويصح أن تكون هاء مصدر ، بزنة فاعلة ، مثل الكاذبة للكذب والباقية للبقاء ، والطاغية للطغيان .

وأصلها تاء المرة ، ولكنها لما أريد بها الصدر ، قطع النظر عن المرء ، وصار لفظ " الحاقة " بمعنى الحق الثابت الوقوع .

ولفظ " الحاقة " مبتدأ ، و " ما " مبتدأ ثان ، ولفظ الحاقة الثانى ، خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره ، خبر المبتدأ الأول .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { الحاقة . مَا الحآقة } يريد القيامة ، سميت بذلك : لأن الأمور تَحُق فيها .

وقيل سميت بذلك ، لأنها تكون من غير شك . أو لأنها أحقت لأقوام الجنة ، ولأقوام النار ، أو لأن فيها يصير كل إنسان حقيقيا بجزاء عمله ، أو لأنها تَحُقُ كل مُحَاق فى دين الله بالباطل . أى : تبطل حجة كل مخاصم فى دين الله بالباطل - يقال : حاقَقْتهُ فحققته فأنا أُحِقُّه ، إذا غالبتُه فغلبته . . والتَّحاق التخاصم ، والاحتقاق : الاختصام . .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡحَآقَّةُ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الحاقة وهي مكية بالإجماع وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سبقني للمسجد الحرام فجئت فوقفت وراءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سرد القرآن قلت في نفسي إنه لشاعر كما تقول قريش حتى بلغ إلى قوله ‘ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ‘ الحاقة 40 - 41 - 42 - 43 ثم مر حتى انتهى الى آخر السورة فأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام{[1]}

{ الحاقة } اسم فاعل ، من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود ، ومنه { حقت كلمة العذاب }{[11277]} [ الزمر : 71 ] ، والمراد به القيامة والبعث ، قاله ابن عباس وقتادة ، لأنها حقت لكل عامل عمله . وقال بعض المفسرين : { الحاقة } مصدر كالعاقبة والعافية ، فكأنه قال : ذات الحق . وقال ابن عباس وغيره : سميت القيامة حاقة ، لأنها تبدي حقائق الأشياء واللفظة رفع بالابتداء .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11277]:من الآية 71 من سورة الزمر، من قوله تعالى : (وكذلك حقت كلمة العذاب على الكافرين).