التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (87)

ثم يمضى يعقوب - عليه السلام - في رده على أولاده فيأمرهم أن يواصلوا بحثهم عن يوسف وأخيه ، وأن لا يقنطوا من رحمة الله فيقول : { يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون } .

والتحسس : هو طلب الشئ بطريق الحواس بدقة وحكمة وصبر على البحث .

أى : قال يعقوب لأبنائه : يا بنى { اذهبوا } إلى أرض مصر وإلى أى مكان تتوقعون فيه وجود يوسف وأخيه { فتحسسوا } أمرهما . وتخبروا خبرهما ، وتعرفوا نبأهما بدون كلل أو ملل .

وفى التعبير بقوله { فَتَحَسَّسُواْ } إشارة إلى أمره لهم بالبحث الجاد الحكيم المتأنى { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله } أى : ولا تقنطوا من فرج الله وسعة رحمته ، وأصل معنى الروح التنفس .

يقال : أراح الإِنسان إذا تنفس ، ثم استعير لحلول الفرج .

وكلمة { روح } - بفتح الراء - أدل على هذا المعنى ، لما فيها من ظل الاسترواح من الكرب الخالق بما تتنسمه الأرواح من رحمة الله .

وقوله { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون } تعليل لحضهم على التحسس أى : لا تقصروا في البحث عن يوسف وأخيه ، ولا تقنطوا من رحمة الله ، فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون ، لعدم علمهم بالله - تعالى - وبصفاته وبعظيم قدرته ، وبواسع رحمته . . .

أما المؤمنون فإنهم لا ييأسوا من فرج الله أبداً ، حتى ولو أحاطت بهم الكروب ، واشتدت عيهم المصائب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (87)

{ يا بني اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه } فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس . { ولا تيأسوا من روح الله } ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه . وقرئ { من روح الله } أي من رحمته التي يحيا بها العباد . { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (87)

صرح لهم بشيء ممّا يعلمه وكاشفهم بما يحقق كذبهم ادعاء ائتكال الذئب يوسف عليه السلام حين أذنه الله بذلك عند تقدير انتهاء البلوى فقال : { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه } .

فجملة { يا بني اذهبوا } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأن في قوله : { وأعلم من الله ما لا تعلمون } ما يثير في أنفسهم ترقب مكاشفته على كذبهم فإن صاحب الكيد كثير الظنون { يحسبون كل صيحة عليهم } [ المنافقون : 4 ] . والتحسّس بالحاء المهملة : شدة التطلّب والتعرّف ، وهو أعم من التجسس بالجيم فهو التطلّب مع اختفاء وتستر .

والرّوْح بفتح الراء : النفَس بفتح الفاء استعير لكشف الكرب لأن الكرب والهمّ يطلق عليهما الغَمّ وضيق النفَس وضيق الصدر ، كذلك يطلق التنفس والتروح على ضد ذلك ، ومنه استعارة قولهم : تنفس الصبح إذا زالت ظلمة الليل .

وفي خطابهم بوصف البُنوّة منه ترقيق لهم وتلطف ليكون أبعث على الامتثال .

وجملة إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } تعليل للنهي عن اليأس ، فموقع { إنّ } التعليل . والمعنى : لا تيأسوا من الظفر بيوسف عليه السلام معتلين بطول مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة . فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيّأ لها أسبابها ، ومن كان يؤمن بأن الله واسع القدرة لا يُحيل مثل ذلك فحقّه أن يأخذ في سببه ويعتمد على الله في تيسيره ، وأما القوم الكافرون بالله فهم يقتصرون على الأمور الغالبة في العادة وينكرون غيرها .

وقرأ البزي بخُلف عنه { ولا تأْيَسُوا } و { إنه لا يَأيس } بتقديم الهمزة على الياء الثانية ، وتقدم في قوله : { فلمّا استيأسوا منه } [ سورة يوسف : 80 ] .