وقوله تعالى : ( يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) قال أهل التأويل : ( فتحسسوا ) اطلبوه ، واستخبروا عنه وعن أخيه . لكن غير هذا كأنه أقرب ، وهو من وقوع الحس عليه ؛ كأنه قال : اذهبوا ، فانظروا إليه وإلى أخيه ؛ لأنهم إن لم يكونوا يعلمون أن يوسف أين هو ؟ فلقد كانوا يعلمون من حال أخيه بنيامين أنه أين هو ؟
فلو كان على الطلب والبحث والاستخبار على ما قاله أهل التأويل : إن احتمل في يوسف فذلك لا يحتمل في أخيه ؛ إذ هم كانوا يعلمون مكانه ، وأين هو ؟ وإذ كانوا لا يعلمون مكان يوسف ، ولا أين هو ؟ وهو إنما أمرهم أن يتحسسوا عنهما جميعا . فدل ، والله أعلم ، أنه من وقوع الحس والبصر عليهما لا من البحث والطلب ، والله أعلم .
فكأنه علم بالوحي أنه هنالك ، وأخاه[ في الأصل وم : وأخوه ] معه . لكنه لم يخبر بنيه أنه هنالك لما علم أنهم يتكاسلون ، ويتثاقلون عنه لما علم أن أخاه يكون معه .
وقال عامة أهل التأويل : إنما قال لهم هذا ، وعلم أنه في الأحياء لأنه رأى ملك الموت ، فقاله له : هل قبضت روح يوسف مما قبضت من الأرواح ؟ قال : لا .
وقال بعضهم : رأى في المنام ملك الموت ، فقال له ما ذكرنا ، فعند ذلك قال هذا القول .
لكنا نقول : إنه كان عالما [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] في الأحياء ، ليس بهالك ، لما رأى [ يوسف ][ ساقطة من الأصل وم ] من الرؤيا وغيرها[ في الأصل وم : غيره ] ، فعلم أنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه على الصدق والحق . لكنه لم يكن يعلم أنه أين هو من قبل ، ثم علم بعد بالوحي عن مكانه وحاله ؟ فأمر بنيه أن يأتوه ، فينظروا إليه وإلى أخيه .
وأصل هذا أن ما حل بيعقوب من فوت يوسف وغيبته عنه محنة ، امتحنه ربه ، وبلية ، ابتلاه بها ؛ [ مما يبتلي الأخيار ][ في الأصل وم : يبتلي بذلك حسرة عليهما ] .
ألا ترى أن يوسف لو أراد أن يعلم أباه يعقوب عن مكانه وحاله لقدر عليه ؛ لأنه كان يعلم بمكان أبيه ؟ وأن يعقوب لا يعلم بمكان يوسف ، فلم يعلمه[ في الأصل وم : يفعله ] إلا بعد الأمر بالإعلام ، والله أعلم ؟
وقوله تعالى : ( وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) قيل من رحمة الله ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) أخبر أنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ؛ من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته . وأما الكافر فإنه لا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في رحمته ، فييأس من رحمته .
نهاهم عن الإياس لما كان عندهم أنه هالك حين[ في الأصل وم : حيث ] ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم )[ الآية : 95 ] لما قال لهم : ( إني لأجد ريح يوسف ) وأخوه كان محبوسا بالسرقة . والمحبوس لا يرد في حكمهم .
أو يقول : نهاهم ، وإن لم يكونوا آيسين ، ثم يقول : ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) .
خبر عن الله ؛ وأخبر أنه ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) وكذلك ما بشر إبراهيم بالولد حين[ في الأصل وم : حيث ]/257-أ/ ( قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين )[ الحجر : 55 ] نهاه عن القنوط . ولا يحتمل أن يكون إبراهيم قانطا من[ في الأصل وم : عن ] ذلك ، لكنه نهاه ، ثم أخبر ، فقال : ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )[ الحجر : 56 ] .
والآية ترد على المعتزلة قولهم لقولهم : إن صاحب الكبيرة خالد[ في الأصل وم : خالدا ] مخلد في النار ، وإنه ليس بكافر ، وهو آيس على قولهم من روح الله[ أدرجت بعدها العبارة التالية : وهو يقولون إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله ] ، وقد أخبر أنه ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ )[ أدرجت بعدها العبارة التالية : وهم يقولون إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله وهو ليس بكافر في الأصل وم ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.