تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (87)

وقوله تعالى : ( يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) قال أهل التأويل : ( فتحسسوا ) اطلبوه ، واستخبروا عنه وعن أخيه . لكن غير هذا كأنه أقرب ، وهو من وقوع الحس عليه ؛ كأنه قال : اذهبوا ، فانظروا إليه وإلى أخيه ؛ لأنهم إن لم يكونوا يعلمون أن يوسف أين هو ؟ فلقد كانوا يعلمون من حال أخيه بنيامين أنه أين هو ؟

فلو كان على الطلب والبحث والاستخبار على ما قاله أهل التأويل : إن احتمل في يوسف فذلك لا يحتمل في أخيه ؛ إذ هم كانوا يعلمون مكانه ، وأين هو ؟ وإذ كانوا لا يعلمون مكان يوسف ، ولا أين هو ؟ وهو إنما أمرهم أن يتحسسوا عنهما جميعا . فدل ، والله أعلم ، أنه من وقوع الحس والبصر عليهما لا من البحث والطلب ، والله أعلم .

فكأنه علم بالوحي أنه هنالك ، وأخاه[ في الأصل وم : وأخوه ] معه . لكنه لم يخبر بنيه أنه هنالك لما علم أنهم يتكاسلون ، ويتثاقلون عنه لما علم أن أخاه يكون معه .

وقال عامة أهل التأويل : إنما قال لهم هذا ، وعلم أنه في الأحياء لأنه رأى ملك الموت ، فقاله له : هل قبضت روح يوسف مما قبضت من الأرواح ؟ قال : لا .

وقال بعضهم : رأى في المنام ملك الموت ، فقال له ما ذكرنا ، فعند ذلك قال هذا القول .

لكنا نقول : إنه كان عالما [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] في الأحياء ، ليس بهالك ، لما رأى [ يوسف ][ ساقطة من الأصل وم ] من الرؤيا وغيرها[ في الأصل وم : غيره ] ، فعلم أنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه على الصدق والحق . لكنه لم يكن يعلم أنه أين هو من قبل ، ثم علم بعد بالوحي عن مكانه وحاله ؟ فأمر بنيه أن يأتوه ، فينظروا إليه وإلى أخيه .

وأصل هذا أن ما حل بيعقوب من فوت يوسف وغيبته عنه محنة ، امتحنه ربه ، وبلية ، ابتلاه بها ؛ [ مما يبتلي الأخيار ][ في الأصل وم : يبتلي بذلك حسرة عليهما ] .

ألا ترى أن يوسف لو أراد أن يعلم أباه يعقوب عن مكانه وحاله لقدر عليه ؛ لأنه كان يعلم بمكان أبيه ؟ وأن يعقوب لا يعلم بمكان يوسف ، فلم يعلمه[ في الأصل وم : يفعله ] إلا بعد الأمر بالإعلام ، والله أعلم ؟

وقوله تعالى : ( وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) قيل من رحمة الله ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) أخبر أنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ؛ من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته . وأما الكافر فإنه لا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في رحمته ، فييأس من رحمته .

نهاهم عن الإياس لما كان عندهم أنه هالك حين[ في الأصل وم : حيث ] ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم )[ الآية : 95 ] لما قال لهم : ( إني لأجد ريح يوسف ) وأخوه كان محبوسا بالسرقة . والمحبوس لا يرد في حكمهم .

أو يقول : نهاهم ، وإن لم يكونوا آيسين ، ثم يقول : ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) .

خبر عن الله ؛ وأخبر أنه ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) وكذلك ما بشر إبراهيم بالولد حين[ في الأصل وم : حيث ]/257-أ/ ( قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين )[ الحجر : 55 ] نهاه عن القنوط . ولا يحتمل أن يكون إبراهيم قانطا من[ في الأصل وم : عن ] ذلك ، لكنه نهاه ، ثم أخبر ، فقال : ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )[ الحجر : 56 ] .

والآية ترد على المعتزلة قولهم لقولهم : إن صاحب الكبيرة خالد[ في الأصل وم : خالدا ] مخلد في النار ، وإنه ليس بكافر ، وهو آيس على قولهم من روح الله[ أدرجت بعدها العبارة التالية : وهو يقولون إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله ] ، وقد أخبر أنه ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ )[ أدرجت بعدها العبارة التالية : وهم يقولون إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله وهو ليس بكافر في الأصل وم ] .