السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (87)

ثم أشار إلى جانب مصر وقال : اطلبه من هاهنا ولذلك قال : { يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا } ، أي : والتحسيس طلب الخبر بالحاسة وهو قريب من التجسيس بالجيم ، وقيل : التحسيس بالحاء يكون في الخير ، وبالجيم يكون في الشرّ ومنه الجاسوس وهو الذي يطلب الكشف عن عورة الناس ، والمعنى تحسسوا خبراً { من } أخبار { يوسف وأخيه } ، أي : اطلبوا خبرهما .

وثانيها : أنه علم أنّ رؤيا يوسف عليه السلام صادقة ؛ لأنّ أمارات الرشد والكمال ظاهرة في حق يوسف عليه السلام ، ورؤيا مثله لا تخطئ .

وثالثها : لعله تعالى أوحى إليه أنه سيوصله إليه ، ولكنه تعالى ما عين الوقت ، فلهذا بقي في القلق .

ورابعها : قال السدي : لما أخبره بنوه بسيرة الملك وكمال حاله وأقواله وأفعاله طمع في أن يكون هو يوسف وقال : بعيد أن يظهر في الكفار مثله ، ثم تلطف ببنيه وقال لهم : { ولا تيأسوا } ، أي : تقنطوا { من روح الله } قال ابن عباس : من رحمة الله . وقال قتادة : من فضل الله . وقال ابن زيد : من فرج الله . { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } ، أي : الغريقون في الكفر ، قال ابن عباس : إنّ المؤمن من الله على خير يرجوه في البلاء ويحمده على الرخاء ، والكافر على الضدّ من ذلك ، فإنّ اليأس من رحمة الله لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أنّ إله العالم غير قادر على الكمال ، أو غير عالم بجميع المعلومات ، أو ليس بكريم بل هو بخيل ، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر ، وإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة ، وكل واحد منها كفر ثبت أنّ اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافراً .

وقرأ البزي بعد التاء من تيأسوا وبعد الياء من لا ييأس بألف وبعدها ياء مفتوحة بخلاف عنه ، والباقون بهمزة مفتوحة قبلها ياء ساكنة . ولما قال يعقوب عليه السلام لبنيه ذلك قبلوا منه هذه الوصية وعادوا إلى مصر .