التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

ثم حكى - سبحانه - ما تحييهم به الملائكة فقال : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ . . } .

أى : هذا الجزاء الحسن لهؤلاء المتقين ، الذين تتوفاهم الملائكة ، أى : تقبض أرواحهم ، حال كونهم { طيبين } أى : مطهرين من دنس الشرك والفسوق والعصيان .

{ يقولون } أى الملائكة لهؤلاء المتقين عند قبض أرواحهم ، { سلام عليكم } أى : أمان عليكم من كل شر ومكروه .

{ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : بسبب ما قدمتموه من أعمال صالحة .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

هذا ، ولا تعارض بين قوله تعالى - { تتوفاهم الملائكة } وبين قوله فى آية أخرى

{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ }

وبين قوله فى آية ثالثة

{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا }

لأن إسناد التوفى إلى ذاته - تعالى - ، باعتبار أن أحدا لا يموت إلا بمشيئته - تعالى - ، وإسناده إلى ملك الموت باعتباره هو المأمور بقبض الأرواح ، وإسناده إلى الملائكة باعتبارهم أعوانا له ، ولا تعارض - أيضا - بين قوله - تعالى - { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وبين ما جاء فى الحديث الصحيح : " لن يدخل أحدا عمله الجنة . . " .

لأن الأعمال الصالحة إنما هى أسباب عادية لدخول الجنة ، أما السبب الحقيقى فهو فضل الله - تعالى - ورحمته ، حيث قبل هذه الأعمال ، وكافأ أصحابها عليها .

وبعد أن بينت السورة الكريمة جانبا من أقوال المتقين ، وبشرتهم بما يسرهم ويشرح صدورهم ، عادت مرة أخرى لتهديد الكافرين ، لعلهم يزدجرون أو يتذكرون ، فقال - تعالى - : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . . . } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

{ الذين تتوفاهم الملائكة طيّبين } طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة { ظالمي أنفسهم } . وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة ، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس . { يقولون سلام عليكم } لا يحيقكم بعد مكروه . { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم . وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

مقابل قوله في أضدادهم { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } ، فما قيل في مقابله يقال فيه .

وقرأ الجمهور { تتوفاهم } بفوقيّتين ، مثل نظيره . وقرأه حمزة وخلَف بتحتية أولى كذلك .

والطيّب : بزنة فَيْعل ، مثل قَيم وميّت ، وهو مبالغة في الاتّصاف بالطيب وهو حسن الرائحة . ويطلق على محاسن الأخلاق وكمال النّفس على وجه المجاز المشهور فتوصف به المحسوسات كقوله تعالى : { حلالاً طيباً } [ سورة البقرة : 168 ] والمعاني والنفسيات كقوله تعالى : { سلام عليكم طبتم } [ سورة الزمر : 73 ] . وقولهم : طبت نفساً . ومنه قوله تعالى : { والبلد الطيّب يخرج نباته بإذن ربه } [ سورة الأعراف : 58 ] . وفي الحديث « إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً » أي مَالاً طيباً حلالاً . فقوله تعالى هنا { طيبين } يجمع كل هذه المعاني ، أي تتوفّاهم الملائكة منزّهين من الشرك مطمئنيّ النفوس . وهذا مقابل قوله في أضدادهم { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } [ سورة النحل : 28 ] .

وجملة { يقولون سلام عليكم } حال من { الملائكة } وهي حال مقارنة ل { تتوفاهم } ، أي يتوفّونهم مسلّمين عليهم ، وهو سلام تأنيس وإكرام حين مجيئهم ليتوفّوهم ، لأن فعل { تتوفاهم } يبتدىء من وقت حلول الملائكة إلى أن تنتزع الأرواح وهي حصّة قصيرة .

وقولهم : { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } هو مقابل قولهم لأضدادهم { إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم } [ سورة النحل : 28 ، 29 ] . والقول في الأمر بالدخول للجنّة حين التوفّي كالقول في ضدّه المتقدم آنفاً . وهو هنا نعيم المكاشفة .