لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

قال تعالى { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } يعني مؤمنين طاهرين من الشرك . قال مجاهد : زاكية أقوالهم وأفعالهم وقيل : إن قوله طيبين كلمة جامعة لكل معنى حسن فيدخل فيه أنهم ، أتوا بكل ما أمروا به من فعل الخيرات والطاعات واجتنبوا كل ما نهوا عنه من المكروهات ، والمحرمات مع الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة ، والمباعدة من الأخلاق المذمومة والخصال المكروهة القبيحة وقيل معناه إن أوقاتهم تكون طيبة سهلة لأنهم يبشرون عند قبض أرواحهم بالرضوان والجنة والكرامة ، فيحصل لهم عند ذلك الفرح والسرور والابتهاج ، فيسهل عليهم قبض أرواحهم ويطيب لهم الموت على هذه الحالة { يقولون } يعني الملائكة لهم { سلام عليكم } يعني تسلم عليهم الملائكة أو تبلغهم السلام من الله { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } يعني في الدنيا من الأعمال الصالحة . فإن قلت : كيف الجمع بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وبين قوله : صلى الله عليه وسلم « لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته » أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ؟ قلت : قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في شرح مسلم : اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا غيرها إلا بالشرع ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين ، وأدخلهم النار كان ذلك عدلاً منه ، وإذا أكرمهم ورحمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه ولو نعم الكافرون ، وأدخلهم الجنة كان ذلك له ومنه فضلاً ، ولكنه سبحانه وتعالى أخبر وخبره صادق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ، ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلاً منه . وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل ، ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح في خبط طويل لهم ، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع . وفي ظاهر الحديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته . وأما قوله سبحانه وتعالى : { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } ونحوها من الآيات التي تدل على أن الأعمال الصالحة يدخل بها الجنة ، فلا تعارض بينها ، وبين هذا الحديث بل معنى الآيات : أن دخول الجنة بسبب الأعمال والتوفيق للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة ، والفضل والمنة والله أعلم بمراده .